وأشكاله ـ التي كشفت عنها التجربة ـ لا يتجرّد عن سببه ولا يستغني عن العلّة . فالعلّية ناموس عام للوجود ، بحكم التجارب العلمية . وافتراض وجود ليس له علّة ، مناقض لهذا الناموس ، ولأجل ذلك كان ضرباً من الاعتقاد بالصدفة التي لا متّسع لها في نظام الكون العام [1] .
وقد حاولوا عن هذا الطريق أن يتّهموا الفلسفة الإلهية بأنّها تؤمن بالصدفة ؛ نظراً إلى اعتقادها بوجود مبدأ أوّل لم ينشأ من سبب ولم تتقدّمه علّة . فهذا الوجود المزعوم للإلهية ، لمّا كان شاذّاً عن مبدأ العلّية ، فهو صدفة ، وقد أثبت العلم أن لا صدقة في الوجود ، فلا يمكن التسليم بوجود المبدأ الإلهي الذي تزعمه الفلسفة الميتافيزيقية .
وهكذا أخطأ هؤلاء مرّة أخرى حين أرادوا استكشاف سرّ الحاجة إلى العلّة ، ومعرفة حدود العلّية ، ومدى اتّساعها عن طريق التجارب العلمية ، كما أخطأوا سابقاً في محاولة استنباط مبدأ العلّية بالذات وبصورة رئيسية من التجربة والاستقراء العلمي للكون ؛ فإنّ التجارب العلمية لا تعمل إلاّ في حقلها الخاصّ ، وهو نطاق مادّي محدود ، وقصارى ما تكشف عنه هو خضوع الأشياء في ذلك النطاق لمبدأ العلّية ، فالانفجار ، أو الغليان ، أو الاحتراق ، أو الحرارة ، أو الحركة ، وما إلى ذلك من ظواهر الطبيعة ، لا توجد دون أسباب ، وليس في الإمكانات العلمية للتجربة ، التدليل على أنّ سرّ الحاجة إلى العلّة كامن في الوجود بصورة عامّة ، فمن الجائز أن يكون السرّ ثابتاً في ألوان خاصّة من الوجود ، وأن تكون الأشياء التي ظهرت في المجال التجريبي ، من تلك الألوان الخاصّة .
فاعتبار التجربة دليلاً على أنّ الوجود بصورة عامة خاضع للعلل