وفي هذا المذهب خلط واضح بين (الحقيقة) نفسها ، والهدف الأساسي من محاولة الظفر بها . فقد ينبغي أن يكون الغرض من اكتساب الحقائق ، هو استثمارها في المجال العملي والاستنارة بها في تجارب الحياة ، ولكن ليس هذا هو معنى (الحقيقة) بالذات . ونلخّص الردّ عليه فيما يأتي :
أوّلاً : أنّ إعطاء المعنى العملي البحت للحقيقة ، وتجريدها من خاصّة الكشف عمّا هو موجود وسابق ، استسلام مطلق للشكّ الفلسفي الذي تحارب التصوّرية والسفسطة لأجله ، وليس مجرّد الاحتفاظ بلفظة (الحقيقة) في مفهوم آخر كافياً للردّ عليه أو التخلّص منه .
ثانياً : أنّ من حقّنا التساؤل عن هذه المنفعة العملية التي اعتُبرت مقياساً للحقّ والباطل في (البراجماتزم) : أهي منفعة الفرد الخاصّ الذي يفكر ؟! أو منفعة الجماعة ؟ ومن هي هذه الجماعة ؟ وما هي حدودها ؟ وهل يقصد بها النوع الإنساني بصورة عامّة أو جزء خاصّ منه ؟ وكلّ من هذه الافتراضات لا تعطي تفسيراً معقولاً لهذا المذهب الجديد .
فالمنفعة الشخصية إذا كانت هي المعيار الصحيح للحقيقة ، وجب أن تختلف الحقائق باختلاف مصالح الأفراد ، فتحدث بسبب ذلك فوضى اجتماعية مريعة حين يختار كلّ فرد حقائقه الخاصّة ، دون أيّ اعتناء بحقائق الآخرين المنبثقة عن مصالحهم ، وفي هذه الفوضى ضرر خطير عليهم جميعاً .
وأمّا إذا كانت المنفعة الإنسانية العامّة هي المقياس ، فسوف يبقى هذا المقياس معلّقاً في عدّة من البحوث والمجالات ؛ لتضارب المصالح البشرية
[1] راجع : توفيق الطويل ، أسس الفلسفة : 66 و 405 .