و أمّا الثّاني [1]: قلنا في الاستدلال به على إمامته (صلوات اللّه عليه) مقامان:
الأوّل: إنّ المولى جاء بمعنى الأوّل بالأمر، و المتصرّف المطاع في كلّ ما يأمر.
و الثّاني: إنّ المراد به هنا هو هذا المعنى.
أمّا الأوّل: فقد قال السيّد المرتضى في كتاب «الشافي» [2]:
من كان له أدنى اختلاط باللغة و أهلها يعرف أنّهم يضعون هذه اللفظة مكان «أولى»، كما أنّهم يستعملونها في ابن العمّ.
و قد ذكر أبو عبيدة معمّر بن المثنّى- و منزلته في اللغة منزلته- في كتابه المعروف بالمجاز في القرآن، لمّا انتهى إلى قوله تعالى: مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ[3] أنّ معنى مولاكم أولى بكم، و أنشد بيت لبيد [4] شاهدا له «فغدت ...» البيت؛ و ليس أبو عبيدة ممّن يغلط في اللغة، و لو غلط فيها أو وهم لما جاز أن يمسك عن النكير عليه و الردّ لتأويله غيره من أهل اللغة ممّن أصاب و ما غلط فيه، على عادتهم المعروفة في تتبّع بعضهم لبعض و ردّ بعضهم على بعض، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه- مع أنّه لم يظهر من أحد من أهل اللغة ردّا له-، كأنّه قول الجميع.
و لا خلاف بين المفسّرين فيّ قوله تعالى: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ[5] أنّ المراد بالموالي من كان أملك بالميراث و أولى بحيازته و أحقّ به.
و قال الأخطل:
فأصبحت مولاها من الناس بعده * * * و أحرى قريش أن تهاب و تحمدا
[1] أي إثبات دلالة الخبر على إمامته (صلوات اللّه عليه).
[2] 2/ 268، و له بيان في ذلك في المجموعة الثالثة من رسائله ص 251- 254.
[4] لبيد بن ربيعة العامري، كنيته أبو عقيل، من أجلّة الشعراء المخضرمين، أدرك الإسلام و ارتضاه و ترك الشعر، و سئل عن شعره فكتب سورة البقرة، و قال: أبدلني الإسلام بهذا من الشعر.