متعبّدين بتقليد هؤلاء المشايخ في اجتهادهم و إن كانوا أجلّاء عظماء، و أمّا ما ذكره الكشّي و النجاشي فنحن متعبّدون بالأخذ عنهم و بتصديقهم لأنَّ قولهم: فلان ثقة، أو ضعيف، أو غير ذلك، إنَّما هو من باب الرواية و الإخبار، و الخبر إذا لم يكن من فاسق وجب العمل به لمفهوم قوله تعالى: إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا .. الآية [1].
الوجه الثالث: أنَّ الاستقراء و تتبّع سير السلف يكشفان عن أنَّ علمائنا
كانوا يعملون بكلِّ ما حصل لهم الظنّ بأنَّه مراد المعصوم (عليه السلام) و إن كان من راوٍ ضعيف، فلا حاجة إلى معرفة حال الرواة، بل المتبع هو الظنّ.
و فيه: بعد تسليم ذلك، أنَّه يلزم استفراغ الوسع و بذل الجهد في تحصيل الظنّ، فإنَّه ربما يكون الخبر في بادي الرأي مظنوناً و بعد الاطّلاع على خبر آخر معارض له يكون راويه أعدل و أورع ينقلب المظنون موهوماً، لكون الظنّ بخبر العادل لو لم يعارضه قرائن أُخر أقوى من خبر الفاسق، ففي متابعة الظنّ أيضاً يثبت الاحتياج بمعرفة الرجال كما لا يخفى.
الوجه الرابع: أنَّ ثبوت الخلاف في معنى العدالة و الكبيرة و عددها يمنع من الاعتماد على تعديل المعدّلين
أو جرحهم إلا إذا علم مطابقة المذهب بين المجتهد و المعدِّل.
و أيضاً بعض الأُصوليّين اعتبر في التزكية شهادة العدلين، و بعضهم اكتفى بالواحد، و لا يمكن الاعتماد بتعديل المعدِّل إلا بعد معرفة مذهبه.
و أيضاً كثير من المعدَّلين كانوا أوّلًا على الباطل ثمَّ رجعوا إلى الحقِّ، فما يروى عنه لا يعلم تاريخه حتّى يعدَّ من الصحاح أو الضعاف.
و أيضاً العدالة بمعنى الملكة لا يمكن إثباتها بالشهادة لكونها منوطة