قد تكرر في ما مضى ذكر القلب مرادا به النفس الناطقة اقتباسا من القرآن الكريم «مٰا جَعَلَ اللّٰهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» أى من نفسين حتى يكون بأحدهما ابنا لواحد و بالآخر ابنا لآخر، أو باحدهما زوجة و بالآخر اما كما في الظهار و تكررا أيضا في كلام الشارح الاشارة الى تجرد النفس و هو أهم مبادى علم الاخلاق مثل قوله «القلب من عالم القدس» فى الصفحة 361 و القلب في اصطلاح علماء الاخلاق هو القوة العاقلة و النفس الناطقة و المراد بكونه من عالم القدس تجرده، فرأينا من أوجب ما علينا بيان هذا المقصد المهم و لا يخفى أن كثيرا مما نرى في خواص النفوس و آثارها تدل على وجود جوهرى مستقل عن البدن و أن الاعضاء آلات يحتاج إليها في العمل و يفقد العمل بفقد الآلات و كذلك الحواس الظاهرة آلات لا ينعدم صاحب الآلات بفقدانها و العاقلة لا تحتاج في ادراكها الى آلة حتى ينعدم التعقل بانعدامها و لو كانت العاقلة أيضا بآلة و فقدت المشاعر كلها و تحللت أعضائها جميعا لم يبق من النفس شيء و انما يبقى النفس ببقاء العاقلة مع فقد سائر المشاعر. و قال بعض حكمائنا ان الحافظة للصور المثالية التى سموها الخيال أيضا غير آلية لا تفنى بفناء الدماغ، و احتجوا على عدم احتياج العاقلة الى الدماغ و عدم حلول الصور المعقولة فيه بوجوه: الاول ان الصورة العقلية غير منقسمة و لو كانت منقسمة لانتهى الى أجزاء غير منقسمة و غير المنقسم لا يحل في جسم منقسم. الثانى أن القوة الحالة في الآلة لا تشعر بنفسها كالباصرة لا تبصر العين و العقل يشعر بذاته. الثالث أن العقل يدرك المعقولات و لا يثقل عليه حملها و ان كثرت و لا يكل و يتعقل جميعها متساوية في الوضوح و القوى الحاسة الجسمانية كالبصر يكل و لا يبصر الضعيف بعد ادراك النور القوى الا بعد استراحة ما و لا يشم الانف الرائحة الضعيفة اثر القوية لشدة تأثره بالقوية و كلاله. و لا يكل العالم الا عند التفكر لتحصيل المعلومات في المرة الاولى لان الفكر من المتخيلة الثابتة في الدماغ و أما بعد تعقل المعقول فلا يكل باستمرار التعقل كالبصر. الرابع أن العقل لا يضمحل بالشيخوخة و ضعف الاعضاء و انما يضعف الفكر و القدرة على تحصيل ما لم يحصله و العمل بما علم لضعف الآلة و أما نفس التعقل فهو ثابت باق و يدرك حكما بعد حكم من غير أن يعجز. و من زعم أن الشيخ يضعف عقله بتقدم السن اشتبه عليه الفكر بالتعقل او ما يتوقف من العلوم على معونة الحواس بما لا يتوقف عليها و الطبيب اذا شاخ و ضعف يستشار و لا يعالج باليد لضعف يده، و لا يميز المرض لضعف عينه و اذنه و لا يزيد علمه لضعف فكره و حافظته، و هذه كلها غير التعقل و معنى قوله «لِكَيْ لٰا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً» يؤول على هذا. الخامس أن عدم كون الادراك من صفات الجسم بديهى و التشكيك فيه