و ما أنا و الدّنيا إنّما مثلي و مثلها كمثل الرّاكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال تحتها ثمّ راح و تركها.
[الحديث العشرون]
2- عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الأزدي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): مثل الحريص على الدّنيا كمثل دودة القزّ، كلّما ازدادت على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّا، قال: و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): كان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بنيّ إنّ النّاس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له، و إنّما أنت عبد مستأجر قد امرت بعمل و وعدت عليه أجرا فاوف عملك و استوف أجرك و لا تكن في هذه الدنيا
عن ابن مسعود أن رسول اللّه (ص) نام على حصير فقام و قد أثر فى جسده فقالوا لو أمرتنا أن نبسط لك و نعمل فقال «ما لى و للدنيا و ما أنا و الدنيا الا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح و تركها» و هذا من التشبيه التمثيلى و وجه التشبيه سرعة الرحيل و قلة المكث و عدم الرضا به فقد أشار (ع) الى انه على بصيرة من نفسه و يقين من سرعة النزول فى الآخرة و مشتاق الى لقاء اللّه و حسن ثوابه و الكرامة الابدية المعدة للزاهدين لا الى الدنيا و زهراتها.
و الصائف الحار. و القيلولة النوم قبل الزوال.
قوله: (مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز)
(1) هذا تشبيه تمثيلى فى غاية الحسن و اللطف و وجه التشبيه هو أن الدودة تفعل فعلا فيه هلاكها و نفع غيرها و هى لا تعلم و كذلك الحريص على الدنيا.
قوله: (كان فيما وعظ به لقمان ابنه يا بنى ان النسا قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له)
(2) فيه تزهيد فى صرف العمر فى الفانى للفانى كما أن فى
قوله: (و انما أنت عبد مستأجر- الى آخره)
(3) ترغيب فى صرفه فى الباقى للباقى و التشبيه بالمستأجر تمثيل للمعقول بالمحسوس فكما أن الاجير لا يستحق الاجرة بدون العمل كذلك أنت لا تستحق الثواب بدون العمل له، و يقرب منه ما روى عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال «الناس فى الدنيا عاملان عامل للدنيا فى الدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته. يخشى على من يخاف الفقر و يأمنه على نفسه فيفنى عمره فى منفعة غيره، و عامل عمل فى الدنيا لما بعدها فجاءه الّذي له من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معا و ملك الدارين جميعا، فأصبح وجيها عند اللّه لا يسأل اللّه حاجة شيئا ثم أشار الى ان الحرص فى الدنيا مهلك
بقوله:
(و لا تكن فى هذه الدنيا بمنزلة شاة)
(4) هذا أيضا تشبيه تمثيلي و فيه تزهيد فى تناول زهرات الدنيا و مطعوماتها الشهبة و كثرة الاكل منها فان ذلك موجب لقوة النفس الامارة و طغيانها