عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان أبو ذرّ رضي اللّه عنه يقول في خطبته: يا مبتغي العلم كأنّ شيئا من الدّنيا لم يكن شيئا الا ما ينفع خيره و يضرّ شرّه إلّا من رحم اللّه، يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل و لا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بتّ فيهم ثمّ غدوت عنهم إلى غيرهم، و الدّنيا و الآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره و ما بين الموت و البعث إلّا كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها، يا مبتغي العلم قدّم لمقامك بين يدي اللّه عزّ و جلّ، فإنّك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم.
[الحديث التاسع عشر]
19- عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): ما لي و للدّنيا
قوله: (يا مبتغى العلم كان شيئا من الدنيا لم يكن شيئا)
(1) خاطب طالب العلم و علمه ما هو خير له و هو الزهد فى الدنيا و رغبه فيه ب
قوله: (الا ما ينفع خيره و يضر شره الا من رحم اللّه)
(2) الظاهر أن «الا» حرف تنبيه و ما نافية و الضمير البارز راجع الى شيئا و الجملة بيان لما قبلها يعنى أن شيئا من الدنيا ليس شيئا يعتد به و يركن إليه العاقل لانه اما خير أو شر و خيره لا ينفع لانه فى معرض الفناء و الزوال و شره يضر الا من رحم اللّه و هو الّذي عصمه من الشر و فيه زجر عن التعرض لشيء منها و انما قال من الدنيا و لم يقل فى الدنيا لان فى الدنيا شيء يعتد به اذا كان متعلقا بالاخرة فخيره يطلب و شره يترك و لما كان سبب الغفلة فى الاكثر هو الاشتغال بالاهل و المال و صرف العمر فى رعايتهما و حفظهما نهى عن ذلك
بقوله (يا مبتغى العلم لا يشغلك أهل و لا مال عن نفسك)
(3) أى عن تحصيل ما ينفعك فى يوم لا ينفع مال و لا بنون كما قال جل شأنه «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تُلْهِكُمْ أَمْوٰالُكُمْ وَ لٰا أَوْلٰادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْخٰاسِرُونَ» ثم رغب فى تركها و حكم بأنه سهل لقلة زمانها بقوله
(أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم الى غيرهم)
(4) التشبيه بالضيف فى قلة الاقامة و قرب الرحيل و فيه مع ما يليه تنبيه على سرعة الانتقال و النزول فى الآخرة و مشاهدة أهوالها و كراماتها و تحريص على تحمل المشاق فيها و تحصيل زاد الآخرة.
(يا مبتغى العلم قدم لمقامك بين يدى اللّه عز و جل)
(5) أى قدم العمل و العمل متوقف على العلم و لذلك خاطب مبتغيه بذلك، و فى قوله «كما تدين تدان» تنبيه على وجوب حسن المعاملة مع الرب اذا كان حسن جزائه بقدر حسن المعاملة معه و قبحه بقدر قبحها. و يؤيده ما روى «و كما تزرع تحصد» لفظ الزرع مستعار لما يفعله الانسان من خير أو شر، و لفظ الحصد لما يثمر ذلك الفعل من ثواب أو عقاب، و وجه الاستعارتين ظاهر.
قوله: (قال رسول اللّه (ص) ما لي و للدنيا و ما أنا و الدنيا)