3- عنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في التوراة مكتوب- فيما ناجى اللّه عزّ و جلّ به موسى بن عمران (عليه السلام)-: يا موسى اكتم مكتوم سرّي في سريرتك و أظهر في علانيتك المداراة عنّي لعدوّي و عدوّك من خلقي و لا تستسبّ لي عندهم باظهار مكتوم سرّي، فتشرك عدوّك و عدوّي في سبّي.
[الحديث الرابع]
4- أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمزة بن بزيع، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله):
أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض.
قوله: (دار خلقى)
(1) و ان كانوا كفارا كما دل عليه قوله تعالى «فَقُولٰا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً» و من جملة المداراة و الملاطفة استجلاب طبائعهم الى الحق و تأنيسهم به بالحكمة و الموعظة الحسنة قليلا قليلا على سبيل التلطف لا دفعة لئلا تشمئز عنه قلوبهم و لا يتنفر عنه طباعهم و لو لم يمكن تأنيسهم به اما لغموضه بالنسبة الى أفهامهم أو لقوة اعتقادهم الباطل ينبغى أن يحملهم عليه بالحيل و التدبير و المقدمات الخطابية حتى يرجعوا من الجهل المركب الى الجهل البسيط ثم يداويه.
قوله: (اكتم مكتوم سرى فى سريرتك)
(2) لعل المراد بالسريرة القلب و السر واحد الاسرار و هو ما يكتم، و اسرار الحديث اخفاءه و الاضافة من باب جرد قطيفة للمبالغة ثم أشار الى بعض فوائد الكتمان و ضرر نقيضه للترغيب فيه بقوله:
(و لا تستسب لى عندهم باظهار مكتوم سرى فتشرك عدوك و عدوى فى سبى)
(3) قال اللّه تعالى «وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» و فيه ترغيب فى المداراة مع الاعداء و الملاطفة و الملاينة معهم سواء كانت العداوة فى الدين أو الدنيا مثل الحقد و الحسد و غيرهما لان المداراة من جملة التدبيرات فى دفع العداوة، و من ثم قيل قمع الشر بالخير خير و بالشر شر و نهى عن المكاشفة بالسب و المخاصمة و المجادلة معهم فان ذلك كثيرا ما يفضى الى المعاملة بالمثل و سبهم للّه تعالى أى لاوليائه كما دل عليه بعض الروايات و ضياع الاموال و هلاك النفوس الى غير ذلك من المفاسد الكلية و الجزئية فيتبدد به نظام العالم و صلاح بنى آدم خصوصا صلاح أولياء اللّه تعالى. هذا بحسب الظاهر، و أما بحسب الباطن فينبغى أن يتفكر فيما يدفع به عداوته و كيده بقدر الامكان على ما تقتضيه الحكمة بحيث لا يكون مهيجا للشر و العداوة، و فيه دلالة على ان السبب للفعل كالفاعل له.