فكتب إليه أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) «من موسى بن- عبد اللّه- جعفر و عليّ مشتركين في التذلّل للّه و طاعته إلى يحيى بن عبد اللّه بن حسن، أما بعد فإنّي احذّرك اللّه و نفسي و اعلمك أليم عذابه و شديد عقابه و تكامل نقماته و اوصيك و نفسي بتقوى اللّه فإنّها زين الكلام و تثبيت النعم، أتاني كتابك تذكر فيه أنّي مدّع و أبي من قبل، و ما سمعت ذلك منّي و ستكتب شهادتهم و يسألون و لم يدع حرص-
اولى الامر، و لعل هذا الكتاب تدليس منه ليرجع إليه الجاهلون، فان أصحاب الباطل فى كل عصر يحتاجون فى ترويج باطلهم الى أمثال هذه الاقاويل الفاسدة.
قوله (من موسى بن عبد اللّه جعفر و على مشتركين فى التذلل للّه و طاعته)
(1) جعفر و على بدل من عبد اللّه و مشتركين حال عنهما و انما ذكر عليا مع أن المكتوب إليه لا ينكر فضله للتنبيه على أن منهج جعفر منهجه و طريقته طريقته.
قوله (اما بعد فانى احذرك اللّه و نفسى)
(2) قدم المخاطب لانه أولى بالتحذير و ضم نفسه لانه أدخل فى النصيحة و أقرب من القبول.
قوله (و اعلمك أليم عذابه)
(3) فى العدول من التحذير الى الاعلام اعلام بوقوع ذلك و لزومه و المعطوفات متغايرة، و ان كان العذاب العقوبة و النقمة متقاربة لان الاليم وصف للعذاب باعتبار تعلقه بالغير و تأثيره فيه ايلاما و ايجاعا و الشدة وصف للعقوبة باعتبار تحقق الزيادة فيها و التكامل وصف للنعمة باعتبار بلوغها الى الغاية و وصولها الى النهاية، اما بالنظر الى ذاتها، أو باعتبار كمال السبب و نهاية قوته لان المسببات تابعة للاسباب فى القوة و الضعف.
قوله (فانها زين الكلام و تثبيت النعم)
(4) اسم ان راجع الى الوصية أو الى التقوى و الخبر الاول يناسب الاول و الخبر الثانى يؤيد الثانى، أما انها زين الكلام فلان زينة الكلام باعتبار اشتماله على الخير النافع فى الدارين فكلما كان اشتماله عليه أكثر كانت زينته أوفر و لا شبهة فى أن الوصية بالتقوى مشتملة على جميع الخيرات لان التقوى عبارة عن الاتيان بجميع الطاعات و الاجتناب عن جميع المنهيات فلا شبهة اذن فى انها زين الكلام، و أما انها تثبيت النعم فلان كل خير و طاعة فهو حافظ للنعم الواصلة مثبتة اياها كما يرشد إليه قوله تعالى «إِنَّ اللّٰهَ لٰا يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ» و التقوى لكونها شاملة لجميع الخيرات كانت أولى بحفظها و تثبيتها.
قوله (سَتُكْتَبُ شَهٰادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ)
(5) أشار بهذا التضمين الى أن الشهادة أمر عظيم لا بد من العلم بها و هم يسألون عنها بين يدى اللّه عز و جل حيث لا مفر لهم الى الانكار لكونها مكتوبة