الكريمة و الرّوايات الصحيحة فإنّ بعضها يدلّ على أنّه ينبغي للمؤمن أن يتّكل في اموره على اللّه تعالى لا على ما يتخيّله أنّه وسيلة لها من الأسباب، و بعضها يدلّ على أنّه يجب عليه أن لا يفتخر بالقرابة و الأنساب و لا يتعصّب لها، و بعضها يدلّ على أنّ الاشتغال بالأهل و المال عن ذكر اللّه بعيد عن الصواب، و بعضها يدلّ على أنّه ينبغي له أن لا يتّخذ وليجة و معتمدا من دون اللّه ربّ الأرباب، و بعضها يدلّ على أنّه يجب عليه الاجتناب من الظلم و الافتراء على اللّه تعالى في جميع الأبواب، و من جملة ذلك الاعتماد في امور الدّين على أهل الجور و الطغيان و التمسّك في الأحكام بالقياس لأنّه اتّخاذ وليجة من دون اللّه و افتراء عليه بالكذب
(إلّا ما أثبته القرآن)
(1) فإنّ كلّ ما أثبته القرآن من العقائد و الأحكام و الأخلاق و المواعظ و النصائح و الزّواجر ثابتة أبدا و منافعها باقية غير منقطعة بانقطاع الدّنيا و فناء الابدان و مفارقة النفس عنها، فيجب على المؤمن الطالب للحياة الأبديّة و الخيرات الدّائمة الأخرويّة و النجاة من العقوبات الرّوحانيّة و البدنيّة صرف العمر في تحصيل مطالبه و مقاصده من الكتاب و أهله بالجملة الإنسان في أوّل الفطرة خال عن الحالات كلّها قابل مستعدّ لها، و تلك الحالات إمّا متعلّقة بالامور الدّنيويّة فقطّ أو متعلّقة بالامور الأخرويّة و لكلّ منهما علل و معدّات و منافع و غايات و علل الأولى و معدّاتها و منافعها و غاياتها تنقطع بانقطاع الدّنيا و فناء الأبدان كانقطاع حالاتها سواء كانت تلك الأمور جائزة أو باطلة كالافتخار بالنسب و التعصّب و التمسّك بالبدعة و الشبهة إلى غير ذلك من الأمور الدّنيويّة المضرّة في الآخرة. و علل الثانية و معدّاتها و منافعها و غاياتها تستمرّ و تبقى أبد الأبد كبقاء الآخرة و عدم انقطاعها، و تلك الحالات و عللها و منافعها كلّها قد أثبتها القرآن، فوجب على المؤمن الرجوع إليه لكن بعضها ظاهر يدركه أرباب العقول الفاضلة و بعضها باطن لا يدركه إلّا أصحاب العصمة (عليهم السلام) فلا بدّ للمؤمن الطالب للحقّ من رفض الحالات الأولى كلّها و التمسّك بالحالات الثانية و الرّجوع فيما لا يعلم منها