عن أبي جعفر (عليه السلام) قال خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس فقال:
أيّها الناس إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و أحكام تبتدع)
(1). البدء بفتح الباء و سكون الدّال و الهمزة أخيرا بمعنى الأوّل يقال: ضربته بدءا أي أوّلا و بمعنى الابتداء يقال: بدأت بالشيء بدءا أي ابتدأت به ابتداء، و بمعنى الإنشاء يقال: بدأت الشيء بدءا أي أنشأته إنشاء، و منه بدأ اللّه الخلق أي أنشأهم، و ضبطه بعض الأصحاب بضمّ الباء و ضمّ الدّال و شدّ الواو بمعنى الظهور مصدر بدا يبدو إذا ظهر و الفتنة الامتحان و الاختبار تقول: فتنت الذّهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته، و قد كثر استعمالها فيما يقع به الاختبار كما في قوله تعالى «أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلٰادُكُمْ فِتْنَةٌ»* ثمّ كثر حتّى استعمل بمعنى الاثم و الكفر و القتال و الإحراق و الإزالة و الصرف عن الشيء كذا في النهاية و الأهواء جمع الهوى بالقصر مصدر هويه بالكسر إذا أحبّه و اشتهاه ثمّ سمّي به المهوي المشتهى ممدوحا كان أو مذموما، ثمّ غلب على المذموم، و البدعة اسم من ابتدع الأمر إذا ابتدأه و أحدثه كالرّفعة من الارتفاع و الخلفة من الاختلاف ثمّ غلبت على ما هو زيادة في الدّين أو نقصان فيه
(يخالف فيها كتاب اللّه)
(2) أي يخالف في متابعة تلك الأهواء المذمومة و الأحكام المبتدعة أو بسببها كتاب اللّه و ذلك لأنّ المقصود من بعثة الرّسل و وضع الشرائع و إنزال الكتب إنّما هو نظام الخلق في أمر معاشهم و معادهم و هدايتهم إلى صراط الحقّ فكان كلّ رأي مبتدع أو هوى متبع خارجا عن كتاب اللّه و سنّة رسوله و سببا لوقوع الفتنة و الضلالة في الخلق و تبدّد نظام وجودهم في هذا العالم و في عالم الآخرة و ذلك كأهواء البغاة و آراء الخوارج و الغلاة و أضرابهم
(يتولّى فيها رجال رجالا)
(3) أي يتّخذ طائفة من المائلين إلى تلك الأهواء و الأحكام طائفة اخرى منهم أولياء و نواصر في تربيتها و تقوية تلك الأحكام الّتي ابتدعها ضالّ في الشريعة على خلاف الكتاب و السنّة ثمّ أشار إلى أنّ أسباب تلك الأهواء الفاسدة امتزاج المقدّمات الحقّة بالمقدّمات الباطلة و أنّ مدارها عليه و بين أنّ السبب هو ذلك الامتزاج بشرطيتين متّصلتين إحداهما قوله