و توسّخ باطنه بالأخلاق الفاسدة و اتّباعه للقوّة الشهويّة و الغضبيّة و ركوبه على النفس الأمّارة حتّى تورده في موارد طلب الدّنيا و زهراتها و جمع زخارفها و مشتهياتها و تحمّله إلى الغلظة على الصلحاء و الزّهاد و تسرّعه إلى الفتاوي و الحكومة بين العباد، و تمدّحه لحكّام الجور و تعبّده لهم، و التياذه بهم، و بالجملة هو الّذي وضع العلم على طرف اللّسان و لم يصل أثره إلى القلب و ساير الأركان
(فهذا هالك)
(1) لابتلائه بألم الفراق و شربه كأسا مسمومة المذاق و استماعه سحقا يوم التلاق حين يشاهد ربح العلماء العاملين و نور سيماء المقرّبين ألا ذلك هو الخسران المبين (و إنّ أهل النار ليتنأذّون من ريح العالم التارك لعلمه)
(2) التابع للنفس و هواها و هذا الرّيح ينشأ إمّا من قبح أفعاله و نتن أعماله و هذا النتن موجود في الدّنيا أيضا إلّا أنّ الشامّة القاصرة لا تدركها و الآخرة محلّ بروز الكامنات و الأسرار أو ينشأ من شدّة تعذيبه بالنّار لاستحقاقه إيّاها، إذا العلم ميزان يوزن به الدّنيا و الآخرة و يعرف به فضل الآخرة على الدنيا و معرفة ذلك يستلزم ذكر الموت و دوام ملاحظته و ذلك مستلزم للرّهبة و العمل لما بعده فالعالم إذا ترك العمل و آثر الدّنيا على الآخرة مع العلم بالتفاضل و سوء عاقبة الرّكون إلى الدّنيا و متابعة النفس فهو بزيادة التعذيب أحرى و باستحقاق اللّوم و العقوبة أجدر و أولى نظير ذلك أنّه لو وقع البصير و الأعمى في البئر فهما متشاركان في الهلاك إلّا أنّ البصير أولى باللّوم و المذمّة
(و إنّ أشدّ أهل النار ندامة و حسرة)
(3) يوم القيمة على التقصير في العمل الموجب للسعادة الاخرويّة و الانهماك في الخسران الموجب للشقاوة الأبدية، و الحسرة أشدّ التلهّف على الشيء الفائت
(رجل دعا عبدا إلى اللّه فاستجاب له و قبل منه فاطاع اللّه أدخله اللّه الجنّة)
(4) و أكرمه بنعيمها الآجل قبوله الحقّ و عمله به
(و أدخل الدّاعي النار بتركه علمه)
(5) أي بسبب تركه علمه الدّاعي إلى الأعمال الصالحة و الأخلاق الفاضلة الباعثة على لقاء اللّه و رحمته و الدّخول في سلك المقرّبين في حضرته، و الجار في قوله «بتركه» متعلّق بأدخل و تعلّقه بالحسرة و الندامة بعيد لفظا
(و اتّباعه الهوى)
(6) الهوى هو ميل النفس الأمّارة بالسّوء إلى مقتضى طباعها من اللّذات الدّنيويّة على أنواعها حتّى تخرج من الحدود الشرعيّة و تدخل في مراتع القوّة السبعيّة و البهيميّة