إذا كان ملكة راسخة و انتفاء الأثر دليل على انتفاء المؤثّر و أيضا العمل سبب لبقاء العلم و استمراره فإذا انتفى العمل انتفى العلم و زال بالكلّيّة كما دلّ عليه قول الصادق (عليه السلام): «العلم يهتف بالعمل فإذا أجابه و إلّا ارتحل عنه [1]»
(فمن عرف دلّته المعرفة على العمل)
(1) إمّا نتيجة للسابق و متفرّع عليه أو تفصيل له لما فيه من الإجمال في الجملة و المقصود أنّ المعرفة إذا رسخت في النفس و استقرّت فيها دلّت العارف على العمل و توصله إليه و تبعثه عليه و العمل من آثارها و توابعها المترتّبة عليها [2] توضيح ذلك أنّ المعارف و العلوم الرّاسخة أنوار للنفس الناطقة و بها ينكشف عند النفس جلال اللّه و جماله و عظمته و قدرته فتصير تلك المعارف من أجل ذلك دليلا لها في انتقالها من مقام الفرقة الّذي لها في العالم الجسماني إلى مقام الشوق إلى الوصول بقرب الحقّ و حضرة القدس و من مقام الشوق إلى مقام العزم في السير إليه و من مقام العزم إلى مقام تهيئة الآلات و الأعضاء و الجوارح و تحريكها نحو الأعمال الموجبة للقرب و اشتغالها بها فالمعرفة إذن دليل على العمل و منه يظهر سرّ قول الكاظم (عليه السلام): «كثير العمل من أهل الأهواء و الجهل مردود [3]» لأنّ من أراد الوصول إلى مقام خفيّ الآثار بلا دليل كان خطأه أكثر
[2] هذا العلم الّذي يدعو الى العمل ليس حفظ الاصطلاحات و الاقوال و الاحكام بل هو الايمان الراسخ بالمبدإ و المعاد الا ترى انه يمكن للمسلم ان يحفظ جميع احكام التوراة و شريعة موسى و عيسى (عليهما السلام) و يضبط اسامى رجالهم و علمائهم و كذلك يمكن للنصارى ان يتعلموا كتب الفقه الاسلامى و اسامى رجالهم و قواعدهم الاصولية و لا يوجب ذلك العمل لعدم الاعتقاد بصحتها و انما العلم الموجب للعمل هو أن يعتقد بالمبدإ و المعاد اعتقادا يقينيا غير مشوب بشك و ترديد و لذلك ترى كثيرا من اهل الدنيا متظاهرين بالعلم دون العمل و علامتهم ان يقتصروا في تعلم ما يزيد في الجاه و حسن الشهرة.
[3] تقدم في كتاب العقل في حديث هشام بن الحكم تحت رقم 12.