كما قيل مثل ذلك في تكلّم الكعبة و نطق جوارح الإنسان يوم القيمة و تكلّم بعض الأحجار إلى غير ذلك و لا يبعد ذلك بالنظر إلى قدرة الباري و إقداره عليه و قيل:
أراد المبالغة في تعظيم شأن المؤمن لأنّ العرب كانت تقول في عظيم القدر إذا مات تبكيه السماء و الأرض مبالغة في عظم قدره [1] و قيل: إطلاق البكاء على بقاع الأرض و أبواب السماء مجاز في فقدهما لما ينبغي أن يكون فيهما من مساجد المؤمن و مصاعد أعماله فإنّ من فقد شيئا يحبّه و ينبغي له يبكيه فأطلقه عليه إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم، و قيل: أراد بكاء أهل بقاع الأرض و أهل أبواب السماء من الملائكة و الأرواح المقدّسة و النفوس المجرّدة و غيرها بحذف المضاف و هم يبكون عليه تأسّفا و تحزّنا
(و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء)
(1) و قد علّل الجميع أو الأخير فقطّ بقوله
(لأنّ المؤمنين الفقهاء)
(2) و هم العارفون بالمعارف الإلهيّة و العالمون بالشرائع النبويّة و الخالصون من الصفات الذّميمة النفسانيّة و المنزّهون عن الصفات الرّذيلة الشيطانيّة و الجامعون بين المعقول و المنقول [2] و القادرون على ربط الفروع بالاصول و الآخذون بأيدي القوّة القدسيّة ربقة البدائع و أعناق الأسرار و الطائرون بأجنحة الهمّة العالية إلى حظاير القدس و منازل
[1] و مثله في الفارسى أيضا، مثاله في العربية قول الشاعر:
لما أتى خبر الزبير تواضعت * * * سور المدينة و الجبال الخشع
و قول الفرزدق أو جرير:
و الشمس طالعة ليست بكاسفة * * * تبكى عليك نجوم الليل و القمرا
و قال في الفارسية:
ماتمسراى گشت سپهر چهارمين * * * روح الامين بتعزيت آفتاب شد
گردون سر محمد يحيى بباد داد * * * محنت رقيب سنجر مالك رقاب شد
و اما ساير التوجيهات فتكلف.
[2] انما قال ذلك لئلا يتوهم أن المراد بالفقهاء المقتصرون على الفروع و المكتفون بالمنقول التاركون للمعقول لان الفقه في اصطلاح الكتاب و السنة أعم منه في اصطلاح المتأخرين. (ش)