يحذّركم اللّه نفسه، ويحك يا ابن آدم الغافل و ليس بمغفول عنه.
يا ابن آدم إنّ أجلك أسرع شيء إليك، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك و يوشك أن يدركك و كأن قد أوفيت أجلك و قبض الملك روحك و صرت إلى قبرك وحيدا فردّ إليك فيه روحك و اقتحم عليك فيه ملكان ناكر و نكير لمساءلتك و شديد
على ما عملت من خير و على هذا لا حذف فيه
(وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ)
(1) فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه و أوليائه و موالات أعدائه قال بعض المفسرين هذا تهديد عظيم مشعر بتناهى المنهى فى القبح و ذكر النفس ليعلم ان المحذر منه عقاب يصدر منه فلا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة و قال الغزالى خوف العوام من عذابه و خوف الخواص من نفسه.
(ويحك يا ابن آدم الغافل)
(2) عما يراد منه و يفعل به
(و ليس بمغفول عنه)
(3) لانه تعالى يعلم ما يفعله من الخير و الشر كما قال إِنْ تُخْفُوا مٰا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّٰهُ مع أنه جعل عليهم من الملائكة حفيظا رقيبا و فيه تنفير عن معصية اللّه و الغفلة عما يراد منه من الامور النافعة بعد- الموت و ظاهر أن تلك الامور مما غفل عنها أكثر الناس فى الدنيا ما داموا فى حجب الابدان فاذا نزعت عنهم تلك الحجب اطلعوا على ما قدموا من خير أو شر و ما أعدلهم بسبب ذلك من سعادة أو شقاوة كما دلت عليه الآية المذكورة و غيرها
(ابن آدم ان أجلك اسرع شيء أليك)
(4) الاجل محركة غاية الوقت فى الموت و مدة العمر أيضا و الثانى كالمسافة للاول لان الاول يقطعه بأقدام الآنات و الانفاس فمرور كل آن و نفس يقرب منك و ليس شيء اسرع من مرورهما و فيه مكنية و تخييلية و ترشيح
(قد أقبل نحوك حثيثا)
(5) أى سريعا
(يطلبك و يوشك أن يدركك)
(6) لان الطالب اذا كان سريعا و الزمان يسيرا و المسافة قليلة كان وصوله قريبا و فيه تذكير بالموت و قرب ما يخاف من أهوال الآخرة و الوصول إليه و تحذير عن الاصرار على المعصية و ترغيب فى الطاعة باعتبار أن كل عامل سيجد ثمرة عمله.
(و كان قد أوفيت أجلك)
(7) و فى الشيء تم و كمل و أوفى فلانا حقه اذا أعطاه وافيا تاما و أوفى فلانا اذا أتاه فأوفيت اما مبنى للمفعول أو للفاعل و فيه تحريك على فرض ما هو قريب الوقوع واقعا و الغرض منه هو الحث على الاستعداد له قبل نزوله
(و قبض الملك روحك)
(8) اما بسهولة أو بصعوبة باعتبار التفاوت فى الايمان و الاخلاق و الاعمال و لا يبعد أن يجعل هذا وجه الجمع بين الروايات المختلفة فى صعوبة قبض الروح و سهولته
(و صرت الى قبرك وحيدا)
(9) أى متفردا عن الاهل و الاقارب و فيه اشارة الى وحشة القبر و ترغيب فى فعل ما يزيلها و ما يستأنس به النفوس حينئذ و هو الاعمال الصالحة و الاخلاق الفاضلة لما روى أنهما يظهران لصاحبها بصور حسنة
(فرد أليك فيه روحك)
(10) سؤال الميت و تعذيبه فى القبر مذهب أهل الاسلام و الروايات فيه