قلبك بالخشية و كن خلق الثياب جديد القلب، تخفى على أهل الأرض و تعرف في أهل السّماء، حلس البيوت، مصباح اللّيل و اقنت بين يديّ قنوت الصابرين و صح إليّ من كثرة الذنوب صياح الهارب من عدوّه و استعن بي على ذلك فانّي
و سيأتى مثل هذه العبارة فى حديث عيسى (عليه السلام) و فيه كن لمسرتى باللام و هو أظهر و المآل واحد و اللّه يعلم
(و امت قلبك بالخشية)
(1) أى أمت نفسك الامارة عن الطمع فى الدنيا و لذاتها و شهواتها بالخشية من عقوبة اللّه و بالخوف من مخالفته و هو أشد جاذب للخائف عن سبيل المعصية الى مسلك الطاعة لان الخائف من شيء هارب منه الى جانب ضده، و إماتته بهذا المعنى توجب له حياة أبدية بالطاعة و الورع و التقوى و ما ورد فى بعض الروايات من الامر باحيائه اريد به احياؤه بما ذكر.
(و كن خلق الثياب جديد القلب)
(2) بتغسيله عن الجهل و الغفلة و الرذائل و تزيينه بالعلم و الذكر و الفضائل على عكس ما عليه أبناء الزمان حيث يجعلون ثيابهم جديدة و قلوبهم كثيفة و كون ثوب امير الامة خلقا مطلوب خصوصا اذا لم يجد غيره الا بتصنع و تكلف لئلا يشق ذلك على ضعفائهم و لو وجد غيره على وجه مشروع كان لبسه أيضا جائزا لئلا يعيروا بذلك كما مر كل ذلك فى كتاب الحجة
(تخفى على اهل الارض و تعرف فى أهل السماء)
(3) الظاهر أنه حال و الاول ناظر الى الاول و الثانى الى الثانى
(حلس البيوت)
(4) أى كن حلس البيوت الحلس بالكسر و يحرك كساء يلقى على ظهر البعير تحت القتب و بساط يبسط فى البيت، و فى بعض النسخ «جليس البيوت» بالجيم و الياء بعد اللام أمره (عليه السلام) بلزوم البيت و عدم الخروج منه الا بقدر الضرورة و حثه على العزلة للاشتغال بطاعة اللّه تعالى و البكاء و الندم على خطيئته و منافع عزلة العالم عن شرار الخلق كثيرة و لذلك قال امير المؤمنين (عليه السلام) «فطوبى لمن لزم بيته و أكل قوته و اشتغل بطاعة ربه و بكى على خطيئته».
(مصباح الليل)
(5) الاضافة بتقدير «فى» و المصباح استعارة له (عليه السلام) و الوجه هو الاضاءة و الانارة و الغرض هو التحريص على الاشتغال بالقيام فى الليل لان العابد فيها يضيء لاهل السماء كما تضيء النجوم لاهل الارض و كذلك البيت الّذي يعبد فيه
(و اقنت بين يدى قنوت الصابرين)
(6) القنوت الطاعة و الخشوع و الصلاة و الدعاء و العبادة و القيام و طول القيام و الكل هنا محتمل و له مراتب و أعظم مراتبه قنوت الصابرين على تحمل المشقات فى العبادات لوجه اللّه تعالى.
(و صح الى من كثرة الذنوب صياح الهارب من عدوه)
(7) طلبا للمستغاث و هو كناية عن البكاء و التضرع و الدعاء و الانابة إليه و الاستعانة به
(و استعن بى على ذلك)
(8) فى الامر بالاستعانة به ايماء الى أن صرف النفس عن المهلكات و ميلها الى الطاعات انما يتيسر بالاستعانة