العقل أفضل من جميع ما قسمه اللّه تعالى للعباد و هذا المعنى يفهم من هذه العبارة بحسب العرف فإنّ المقصود من قولنا ليس في البلد أفضل من زيد هو أنّ زيدا أفضل من غيره و سرّ ذلك أنّ العقل مناط لجميع الفيوضات الدّنيويّة و الاخرويّة و ليس شيء من الأغيار بهذه المثابة، و الجهل بحكم المقابلة أخسّ من جميع الأشياء فيظهر وجه التفريع في قوله
(فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل)
(1) يعنى للعبادة و ذلك لأنّ حقيقة السهر و إن كان أفضل من حقيقة النوم إلّا أنّ النوم المقارن للعقل أفضل و أشرف من السهر المقارن للجهل بحكم المقابلة للملابسة و المجاورة ففيه زيادة مبالغة على شرافة العقل و خساسة الجهل أو لأنّ العاقل لا ينام إلّا بطهارة و دعاء و الملائكة يستغفرون له و يكتبون له الصّلاة ما دام نائما، كما نطقت به الأخبار و ظاهر أنّ استغفار الملائكة و الصّلاة المكتوبة له أفضل من عبادة الجاهل أو لأنّ نوم العاقل قلّما ينفكّ عن رؤيا صالحة و هى جزء من ستّة و أربعين جزء من النبوّة كما دلّت عليه الرّوايات، فنوم العاقل في الحقيقة معراج له بخلاف سهر الجاهل أو لأنّ العاقل لا ينام إلّا بقدر الضرورة و يجعل نومه وسيلة إلى عبادة اخرى و لا شكّ أنّ نومه على هذا الوجه عبادة مستندة إلى العقل و سهر الجاهل لأجل العبادة و عبادته غير مستندة إليه و ظاهر أنّ العبادة المستندة إلى العقل أفضل من العبادة الغير المستندة إليه، و قد سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلا من الحرورية أي الخوارج يتهجّد و يقرأ فقال: «نوم على يقين خير من صلاة في شكّ» [1] و الوجه فيه ظاهر لأنّ صلاة الشاك فيما يجب الاعتقاد فيه لا ينفعه و نوم المؤمن له فوائد كثيرة
(و إقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل)
(2) أي انتقاله من بلد إلى بلد في طاعة اللّه تعالى كالحجّ و الجهاد و نحوهما مع أنّ في الشخوص مشقّة زائدة على الاقامة و ذلك لأنّ عقل العاقل و إن كان جسمه مقيما سائر في المقامات العالية الّتي لا تخطر ببال الجاهل أبدا و له في كلّ آن سفر روحانيّ و شهود ربانيّ، و لا شبهة في أنّ سير الرّوح في معارج العرفان
[1] أورده الشريف الرضى- (رحمه اللّه)- فى النهج باب المختار من حكم امير- المؤمنين (ع) تحت رقم 97.