ثم الخبر ـ بأيِّ معنىً اعتُبر ـ منحصرٌ في الصِّدقِ والكذب ، على وجه منع الجمع والخلو ، في الأصح من الأقوال.
وإنَّما قلنا: إنَّه منحصرٌ فيهما ؛ لأنَّه ـ كما قد عرفتَ ـ يقتضي نسبةً في اللفظ ، ونسبةً في الواقع .
ثُمَّ إنْ طابق الواقعُ المحكيَّ باللفظ ، فالأوّلُ ؛ وهو الصِّدقُ ، وإلاّ يطابقه ، فالثاني ؛ وهو الكذب ، وبذلك ظهر وجه الحصر.
ولا يرد على الأوَّل مِثلُ قول مَن قال: محمد[2] ومُسيلمة[3] صادقان ؛ فإنَّه صادقٌ من إحدى الجهتين ، وكاذب من أُخرى ؛ لأنَّا إنْ جعلناه خبراً واحداً ، فهو كاذبُ ، وإنْ جعلناه خبرين ، كما هو الظاهر ، فهو صادقٌ في أحدهما كاذبٌ في الآخر.
[1] الذي في النسخة الخطِّـيَّة (ورقة 4 ، لوحة 1 ، سطر 13): (ثم الخبر بأيِّ معنى) فقط ، بدون: (الحقل الرابع: في صِدقِ الخبرِ وكِذبه).
[2] هو رسولُنا رسولُ السلام ؛ محمدُ بن عبدالله بن عبد المطَّلب ، الصادقُ الأمين . وُلِدَ صباحَ الجمعة في مكَّة المكرَّمة ، عامَ الفيل ، 17 ربيع الأوَّل . بُعِثَ للنبوَّة وعمرُهُ الشريف أربعون عاماً . هاجر إلى المدينة يوم الاثنين ، 12ربيع الأوَّل ، على رأس سنة 54 من ولادته. كانت آخر حجَّة له سنة 10 من الهجرة ؛ وتُسمَّى بحجَّة الوَداع . بعد إتمام حجِّهِ قَفَلَ راجِعاً إلى المدينة ، وفي غدير خُم ـ أثناء الطريق ـ عقد بأمرٍ من الله تعالى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة من بعده ، وبايعه على ذلك عموم الحاضرين ؛ من شيوخ المهاجرين والأنصار . مَرض في أوَّل صفر سنة 11 هـ ، وتوفِّي يوم الاثنين 28 منه . ودُفن في حجرته بعد أن غسَّله عليِّ(عليه السلام) . كان على جانبٍ عظيمٍ من الخُلُق الإنسانيّ الرفيع كما مدحه القرآن بذلك بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) . من أحاديثه الشريفة: (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيَّته) ، و(كلّكم من آدمَ وآدمُ من تراب) و(أطلب العلمَ مِن المهدِ إلى اللّحد))؛ ينظر: لمحاتٌ من تاريخ أهل البيت: ص11 ـ 15.
[3] مُسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفيّ الوائلي ، من المعمّرين ؛ وُلِدَ ونشأ باليمامة ، نعتَهُ النبيُّ محمد(صلى الله عليه وآله)بالكذّاب.
قُتِلَ سنة 12هـ في خلافة أبي بكر ، على يدِ خالدِ بن الوليد.
ينظر: الأعلام للزركلي ، 8/ 125 ـ 126.
والمشهور: أنَّ الذي قتله وحشي ، نفس قاتلِ حمزةَ عمِّ النبيِّ(عليه السلام) ؛ حيثُ نُقِل عن وحشي شعرٌ مضمونُه: قتلتُ خيرَ البشر ، وقتلتُ شرَّ البَشر.
نام کتاب : شرح البداية في علم الدراية نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 54