أجبنا: إن الكلام المزبور لا يدل على مقولة الأين، نعم لازم ما يدل عليه- و هي نسبة الكون في المكان- تحقق مقولة الأين، و لكن الكلام لا يدل عليها، و هذا نظير ما لو اخبر المتكلم بمجيء احد المتلازمين، فانه و ان كان يستفاد منه مجيء الآخر إلّا أن الكلام المسوق لبيان مجيء أحدهما لا يدل عليه.
فتحصل مما ذكرناه أمور:
الأول: ثبوت الفرق بين الحروف و الأعراض النسبية، فما نسب إلى المحقق العراقي (ره) من عدمه ضعيف.
الثاني: انه لا فرق بين الحروف و الهيئات، كما عليه جماعة من الحكماء منهم صدر المتألهين [1] فإيراد المحقق العراقي عليه غير وارد.
الثالث: أن المعنى الحرفي إخطاري لا إيجادي، و مع ذلك يكون مباينا مع المعنى الاسمي ذاتا، لكونه متقوما وجودا و ذاتا بالغير، بخلاف المعنى الاسمي.
الرابع: أن المعنى الحرفي ملحوظ استقلالا، لكنه في ضمن لحاظ المنتسبين لا وحده، فانه بنفسه و ذاته متقوم، و مُتَدَلٌّ بهما، و لا يكون
[1] كما قد يظهر من كلامه صدر المتألهين في الاسفار بقوله: «و معنى الحروف، الجمل و هي الحروف المقطعة القرآنية و الكلمات التامات المفردة ..» راجع ج 7 ص 41، و ما بعدها.
[2] و بعبارة اخرى ان المعنى الحرفي له وجود مستقل، هو ملحوظ فيه حين الاستعمال، الا ان هذا الوجود بما هو ليس له قابلية الدلالة بمفرده، فهو مفتقر في الدلالة إلى طرفين التي بهما يبرز معناه. ففي وجوده ليس مفتقرا إلى الطرفين، و دلالته لا تتم الا بالطرفين. و بهذا البيان يتضح الفرق بين الوجود المستقل التي به تتم الدلالة كالمعنى الاسمي، و ليس هو كما ذهب اليه آخرون ان لا وجود له الا بوجود طرفيه.