حصول الرضاع، و أنكر الآخر، و فرضت موافقة المتخاصمين لذلك المقلّد في التقليد، فيجوز لهذا العارف أن يرفع النزاع بينهما بمسائله التقليدية التي من جملتها معرفة المدّعي و المنكر. مثل أنّه عرف بالتقليد أنّ مدّعي الحرمة مدّع، و مدّعي الحل منكر، فإذا ضمّ إلى ذلك رواية أبي خديجة و ما في معناها يثبت أنّه له رفع النزاع بينهما؛ لأنّه يصدق عليه أنّه عارف بأحكامهم و لو بتقليد مجتهده، و المتخاصمان أيضا مقلّدان لمجتهد ذلك العالم، و جعله الإمام قاضيا و حاكما بسبب معرفة أحكامهم، فيصحّ حكمه.
[توهّم البعض في معنى الرواية]
و توهّم أنّ مدلول الرواية هو معرفة الأحكام، و الحكم غير الفتوى، و المقلّد المذكور إنّما يعرف فتوى مجتهده لا حكمه، و كذلك إنّما هو يعرف فتاويهم (عليهم السلام) في الكلّيات لا أحكامهم، ضعيف، و ذلك الفرق اصطلاح جديد لا يحمل عليه كلامهم (عليهم السلام)، و هو في الأصل أعمّ من الفتوى.
مع أنّه لا يتصوّر معنى للحكم بالمعنى المصطلح لهم حتّى تحمل الرواية عليه؛ إذ الحكم المصطلح جزئي حقيقي شخصي ينبعث من الموارد الشخصية، و عموم قولهم: «من قامت عليه البيّنة يجب أن يؤدّي المدّعى به إلى المدّعي» [1] أيضا فتوى من الفتاوى، و ليس بحكم.
و يشبه أن تكون دعوى الإجماع في هذا المقام ناشئة من حكم تولية الولاة، يعني تفويض الامور برمّتها إلى المجتهد، كما أشرنا إليه في المرأة و غير المكاتب.
و أمّا جواز القضاء في المواضع الّتي حصل له أسبابها من المعرفة بجميع أطرافها بالتقليد: فلا نعلم أنّه مراد مدّعيه. غاية الأمر أنّهم أطلقوا دعوى الإجماع، و كم من هذا القبيل، و قد استشكلنا فيها كالإجماع على أنّ المخطئ في العقليات آثم، و أنّ مخالف الإسلام مطلقا مخلّد في النار و إن لم يكن مقصّرا أصلا و قطعا، و لا يكلّف
[1]. انظر وسائل الشيعة 18: 170، أبواب كيفية الحكم، ب 3 و 4.