و منه ظهر أنه لا مجال لتوهم أن قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضا، ضرورة أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه، لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه و إن احتمل.
و أخرى يجب الاجتناب عما لاقاه دونه، فيما لو علم إجمالا نجاسته أو نجاسة شيء آخر ثم حدث (العلم ب) الملاقاة و العلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الأمر لا يكون التكليف في أحد طرفيه على تقديره تكليفا فعليا منجزا بهذا العلم الإجمالي الثاني.
و أما المثال الثاني: فهو ما إذا علم بملاقاة شيء كالثوب لمائع ثم علم بنجاسة ذلك المائع أو شيء آخر، و لكن كان المائع الملاقى (بالفتح) خارجا عن الابتلاء حين حصول العلم الإجمالي بالنجاسة و صار داخلا في الابتلاء بعد ذلك، فإنه عند حصول العلم الإجمالي بالنجاسة تسقط أصالة الطهارة في كل من الملاقي (بالكسر) أو الشيء الآخر بالمعارضة، و بعد دخول الملاقى (بالفتح) في الابتلاء تجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض، و لكن لا يخفى ما فيه فإن جريان أصالة الطهارة في الملاقى بالفتح عند العلم بنجاسته أو نجاسة شيء آخر لا يتوقف على بقائه حين حصول العلم أو دخوله في محل الابتلاء بنفسه، فإن لطهارته و لو مع فقده قبل أن يخرج عن محل الابتلاء أثرا شرعيا و هو طهارة ملاقيه فعلا، فالعلم الإجمالي بنجاسته أو الشيء الآخر يوجب سقوط أصالة الطهارة في كل منه و ما لاقاه، و الطرف الآخر، فيدخل هذا في القسم الثالث الذي أشار إليه بقوله: «و ثالثة: يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم الملاقاة، ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقي و الملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين و هو الواحد أو الاثنان».