و لعل منشأ الخلط و الاشتباه تعارف التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق، فتوهّم منه أن مفاد الصيغة يكون طلبا حقيقيا، يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع، و لعمري إنه من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق، فالطلب الحقيقي إذا لم يكن قابلا للتقييد لا يقتضي أن لا يكون مفاد الهيئة قابلا له، و إن تعارف تسميته بالطلب أيضا، و عدم تقييده بالإنشائي لوضوح إرادة خصوصه، و إن الطلب الحقيقي لا يكاد ينشأ بها، كما لا يخفى.
فانقدح بذلك صحة تقييد مفاد الصيغة بالشرط، كما مرّ هاهنا بعض الكلام، و قد تقدم في مسألة اتحاد الطلب و الإرادة ما يجدي في المقام.
كاشفا عن كونه واجبا نفسيا.
و قد يوجّه بطريق آخر في إثبات كون الفعل واجبا نفسيا، و هو التمسّك بإطلاق متعلّق الأمر النفسي الآخر المحتمل كون الفعل المشكوك في نفسيّة وجوبه أو غيريّته قيدا له، كإطلاق الصلاة في مثل قوله سبحانه وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ^ فإنّه لو كان الاغتسال على من مسّ الميت واجبا غيريا كانت الصلاة متقيّدة به، بخلاف ما إذا كان واجبا نفسيا، و بما أنّ دلالة الخطاب معتبرة في مدلوله الالتزامي، فيثبت بإطلاق المتعلّق لوجوب الصلاة كون وجوب الاغتسال نفسيا و أنّ الصلاة غير مقيّدة به.
لكن لا يخفى أنّ هذا يصحّ على مسلك الأعمى فيما إذا فرض تمامية الإطلاق في ناحية المتعلّق في خطاب أَقِيمُوا الصَّلاةَ،^ و قد تقدّم في بحث الصحيحي و الأعمى عدم كون مثل الخطاب المذكور في مقام بيان المتعلّق، بل إنّما هو وارد في بيان أصل التشريع.