قلت: هاهنا أيضا مستند إلى عدم قدرة المغلوب منهما في إرادته، و هي مما لا بد منه في وجود المراد، و لا يكاد يكون بمجرد الإرادة بدونها لا إلى وجود الضد، لكونه مسبوقا بعدم قدرته- كما لا يخفى- غير سديد، فإنّه و إن كان قد ارتفع به الدور [1]، إلّا أنه غائلة لزوم توقف الشيء على ما يصلح أن يتوقف عليه على حالها، لاستحالة أن يكون الشيء الصالح لأن يكون موقوفا عليه الشيء موقوفا عليه، ضرورة أنه لو كان في مرتبة يصلح لأن يستند إليه، لما كاد يصح أن يستند فعلا إليه.
عدم مقتضيه لا إلى وجود الآخر فان قدرة الفاعل جزء المقتضى و لا يكون مجرّد إرادة الفاعل للفعل مع عدم قدرته عليه، مقتضيا له كما إذا اعتقد كون هذا الشيء مقدورا له أو احتمل قدرته عليه فأراده، لم يتحقق إذا كان غير مقدور له واقعا. و على ذلك فعدم قدرة الشخص المغلوب في إرادته، هو الذي يستند إليه عدم الضد لا وجود الضد الآخر الصادر عن الغالب في إرادته، و بالجملة أنّ الفعل المأمور به و إن كان يتوقّف على ترك ضدّه و لكن ترك ضدّه لا يستند إلى فعل المأمور به بل إلى عدم مقتضيه.
[1] هذا تعليل لبطلان التفصّي عن لزوم الدور بما تقدّم و حاصله:
أنّ ما تقدّم و إن كان يرتفع به الدور يعني التوقّف الفعلي من الجانبين إلّا أنّ الملاك لاستحالة الدور و هو لزوم كون شيء سابقا على الآخر رتبة و متأخّرا عنه كذلك بحاله موجود و تقريره:
إنّ فعل المأمور به يستند فعلا إلى ترك ضدّه على الفرض و ترك ضدّه لا يستند فعلا إلى فعل المأمور به، بل إلى عدم مقتضيه، فلا توقّف من الجانبين فعلا، و لكن ملاك استحالة الدور ليس خصوص التوقّف الفعلي من الجانبين ليقال إنّه ليس في البين هذا الملاك بل ملاك استحالته لزوم كون الشيء مقدّما على الآخر رتبة و متأخّرا