و دليل الاستصحاب بمنزلة ان يقول: «كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهى، و كل نهى ورد في شيء فلا بد من تعميمه لجميع ازمنة احتماله» فيكون الرخصة في الشيء و اطلاقه مغيا بورود النهى المحكوم عليه بالدوام و عموم الازمان، فكان مفاد الاستصحاب نفي ما يقتضيه الاصل الآخر في مورد الشك لو لا النهى، و هذا معنى الحكومة كما سيجىء في باب التعارض «انتهى كلامه رفع مقامه» [1].
اقول: لا اشكال في ان التعميم المستفاد من قضية لا تنقض انما هو الحكم المرتب على الشك، و ليست حاكية عن عموم التحريم بحسب الواقع، و حينئذ فما الفرق بين ما يدل على ان الحكم الشرعي في حال الشك من سنخ ما كان موجودا في السابق، و هو التحريم مثلا، او هو الترخيص، و اى وجه لتقديم الاول على الثاني.
و كيف كان فالذي يمكن ان يقال: ان مدلول ادلة الاستصحاب هو الحكم بابقاء اليقين و الغاء الشك، لا جعل الحكم المطابق للسابق، و ان كانت بدلالة الاقتضاء يرجع الى ذلك، حيث ان اليقين لا يقبل لان يحكم عليه بالابقاء، و حينئذ نقول: ان جعلنا المراد من الشك الذي هو موضوع الاصول المعنى الظاهر منه، اعنى حالة الترديد في النفس، فقوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» يكون حاكما عليها، لانه يدل على وجوب معاملة اليقين مع هذا الشك، فموضوع اصالة البراءة و سائر الاصول التى في حكمها منتف شرعا، و ان كان باقيا عقلا، و ان جعلنا المراد منه عدم الطريق- كما اسلفنا سابقا- و المراد من اليقين الذي هو غاية للاصول و معتبر في الاستصحاب ابتداء و غاية الطريق المعتبر فوجه تقديم الاستصحاب على اصالة البراءة و ما شابهها وروده عليها، لان مفاد ادلته كون المكلف واجدا للطريق في حال الشك، فلا يبقى لسائر الاصول
[1] فرائد الاصول، ذيل الامر الثالث من الخاتمة، [المقام الثالث]، ص 423.