يمكن أن يقال: إنّ الماء لمّا كان ميله إلى المركز، و المركز سمت الجنوب، لأنّ الأرض واقعة في البحر [2] و ثلثاها في الماء و ثلثها خارج، و هي مدوّرة كرويّة فرأس قبة الأرض و وسطها بمسامت القطب الشمالي، فالماء الذي فوق الأرض أو في أعماقها يميل إلى الجنوب بالطبع فحين ميله إلى الجنوب يجري إلى الجنوب و إلى القبلة التي هي يمين الجنوب و هي قبلة العراق، و إنّما لم يذكر نفس الجنوب، بل ذكر موضعه القبلة لأنّها المعروفة عند عامّة الناس لا نفس الجنوب، و ليس بينهما فرق معتدّ به، و لذا اختار القبلة و اكتفى بها إلى اخر الحديث، لكن نبّه (عليه السلام) على أنّ القبلة في الواقع و حقيقته يمين الجنوب فمراده- (صلوات اللّه عليه)- أنّ الماء بحسب ميله الطبيعي يميل إلى سمت الجنوب أعمّ من أن يكون إلى نفس القبلة- التي هي بسمت يمينه بشيء قليل غاية القلّة حتّى صارت كأنّها الجنوب- و إلى يسار القبلة، فحينئذ يكون مبدؤه و منشؤه يمين القبلة و إلى يمين القبلة فحينئذ يكون المبدأ و المنشأ يسار القبلة.
و الحاصل أنّ تباعد البالوعة عن البئر لئلّا يجري الماء منها إليها، و هي إن كانت طرف القبلة و البئر خلف القبلة- أي خلف الإنسان المتوجّه إلى القبلة- فلا يجرى الماء من القبلة إلى دبرها، أي من الجنوب إلى الشمال، و لكن إذا كان بالعكس و البالوعة عن يمين القبلة و البئر عن يسارها أو بالعكس يجرى من كلّ منهما الماء إلى الآخر لأنّ الماء [لا] يجري إلى فوق صاحبه و أمّا إلى الأسفل أو إلى المساوي فيجري فاعتبر التباعد من هذه الجهة.