نعم قد يقال: إنّ منافيات المروّة منافية لمعنى العدالة، التي هي الاستواء و الاستقامة، فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بشيء من الأشياء المنكرة عرفاً فلا ريب في عدم استقامته (1).
ثمّ إنّ الظاهر إرادة الخلق في منافيات المروّة القادحة في العدالة (2)، لا أنّ اتفاق وقوع النادر قادح، و ليس هو أعظم من الصغيرة.
و أمّا الاصرار على الصغائر فهي مبنيّ على أنّ المعاصي صغائر و كبائر (3).
(1) مؤيّداً بما عساه يومئ إليه بعض النصوص في المروّة و إن لم تكن صريحة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب، بل قد يقال: إنّ منافاتها تورث شكّاً في دلالة حسن الظاهر على الملكة أو على حسن غيره ممّا لم يظهر منه؛ ضرورة كون المراد منه ما هو منكر في العادة، و مستقبح فيها من دون ملاحظة مصلحة يحسن بها، كما في بعض الامور الواقعة من بعض الأولياء التي لا قبح فيها في العادة مع العلم بوجهها، نحو ما وقع من أمير المؤمنين (عليه السلام) من ترقيع المدرعة و المداقّة في المعاملة على الشيء اليسير، و غير ذلك.
(3) كما هو المشهور، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى المتأخّرين قاطبة [2]، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى العلماء [3]، مشعراً بدعوى الاجماع عليه، كالصيمري عند تفسير الكبيرة بكلّ ما توعّد اللّٰه عليه النار، ناسباً له إلى الأصحاب [4]، و إن كان التحقيق أنّه لا يلتفت إلى دعوى الاجماع في المقام؛ لأنّ القول بأنّ كلّ معصية كبيرة و أنّه لا صغيرة قول معروف بين الأصحاب محكي عن المفيد [5] و القاضي [6] و التقي [7] و الشيخ في العدّة في البحث عن حجّية خبر الواحد ناسباً له إلى الأصحاب [8]، كالطبرسي في مجمع البيان، حيث قال: «قالوا: المعاصي كلّها كبائر، لكنّ بعضها أكبر من بعض، و ليس في الذنوب صغيرة، و إنّما يكون صغيراً بالاضافة إلى ما هو أكبر و يستحقّ العقاب عليه أكثر» [9]. و أبلغ منه ما في السرائر حيث إنّه- بعد أن ذكر كلام الشيخ في المبسوط [10] الظاهر في أنّ الذنوب على قسمين صغائر و كبائر- قال: «هذا القول لم يذهب إليه (رحمه الله) إلّا في هذا الكتاب، و لا ذهب إليه أحد من أصحابنا؛ لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلّا بالإضافة إلى غيرها» [11]. و إن كان الأقوى ما ذكرناه أوّلًا.