بل يمكن دعوى تسالم الأصحاب على خلافه؛ لأنّه لم يعهد من أحد منهم تحرير نزاع فيه، خصوصاً ممّن عادته تتبّع الأقلّ من ذلك، كما لا يخفى على الخبير الممارس.
و من الغريب ما وقع في الحدائق هنا من نسبة التفصيل بين إمام الأصل و غيره إلى المحقّق في المعتبر ( [1])، فخصّ القنوتين به دون غيره و إن كان إماماً في الجمعة إلّا أنّه يقنت حينئذٍ في الركعة الاولى، و أطال في ردّه، و كأنّه لم يعثر على من عبّر بالإمام غيره.
و ما أدري ما الذي أوهمه من عبارة المحقّق حتى ادّعى عليه ذلك الذي لا أثر له في شيء من النصوص و الفتاوى، بل هي صريحة في خلافه حتى الذي ذكره منها في المعتبر أيضاً، و ليس فيه إلّا قوله: «و الذي يظهر أنّ الإمام يقنت قنوتين إذا صلّى جمعة ركعتين، و مَن عداه يقنت مرّة جامعاً كان أو منفرداً، و يدلّ على ذلك رواية أبي بصير» ( [2])، ثمّ ذكر رواية سماعة و صحيحة معاوية و رواية عمر بن حنظلة، و هو كما ترى لا دلالة فيه على ذلك، خصوصاً و المعروف من لفظ الإمام في هذه المقامات إمام الجماعة دون غيره.
و كذا ما أنكره على العلّامة في المنتهى حيث قال فيه بعد ذكر جملة من النصوص السابقة: «و هذه الأخبار و إن اختلفت في الوجه الأوّل- أي القنوتين- فلا يضرّ اختلافها؛ إذ هو فعل مستحبّ، و ذلك يحتمل الاختلاف لاختلاف الأوقات و الأحوال، فتارة تبالغ الأئمّة (عليهم السلام) في الأمر بالكمال، و تارة تقتصر على ما يحصل معه بعض المندوب، و لا استبعاد في ذلك. و ممّا يؤيّده: ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن الحصين، قال: سمعت معمّر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) و أنا حاضر عن القنوت في الجمعة؟
فها هنا اقتصر على فعل الصلاة من غير قنوت إشعاراً باستحبابه و أنّه ليس قنوتاً واجباً» ( [5]).
و هو كلام جيّد جدّاً مبنيّ على إرادة المستحبّ في المستحبّ من الإطلاق و التقييد و لو في خصوص المقام بشهادة النصوص.
و ما في الحدائق من أنّ الظاهر خلاف ( [6]) ذلك- غروراً بظهور بعض النصوص المنبئ سؤالها عن إرادة الأفضل و نحوه و غفلةً عن أمثال هذه القواعد في أمثال هذه المقامات- في غاية الضعف.
و قد ظهر لك من ذلك كلّه أنّه لا محيص عن القول بالقنوتين.