جدّه أنّ ذلك لا يتمّ على إطلاقه؛ إذ القدر اليسير في خلال القراءة لا تفوت به الموالاة قطعاً، و الأصحّ الرجوع إلى العرف ( [1]). و فيه:
أنّه لم نعثر على نصّ اشتمل على اللفظ المزبور كي يرجع في مسمّاه إلى العرف، بل العمدة في الحكم المذكور التأسّي، و لم يحك أنّه فصل باليسير، فهو حينئذٍ و الكثير على حدّ سواء. اللّهمّ إلّا أن يكون مراده: 1- الرجوع إلى العرف في صدق القراءة الذي يقدح فيه الكثير دون اليسير. و فيه منع. 2- أو يكون المستند له في استثناء اليسير ما نصّ عليه غير واحد من الأصحاب و نطقت ببعضه النصوص من أنّه لا بأس بالدعاء بالمباح ( [2]) و سؤال الرحمة و الاستعاذة من النقمة عند آيتهما ( [3]) و ردّ السلام ( [4]) و الحمد عند العطسة ( [5]) و تسميت العاطس ( [5]) و نحو ذلك. و إن كان قد يناقش فيما لم يكن مورد دليله منها القراءة- كالدعاء بالمباح و تسميت العاطس- بأنّ المراد من نفي البأس عنها في الصلاة رفع الحرج عنها من حيث نفسها، لا من حيث اتّفاق تفويت بعض أفرادها الموالاة، كنفي البأس عن قراءة القرآن في الصلاة أيضاً.
و التمسّك بإطلاق تلك الأدلّة، مع أنّ المنساق منه ما ذكرنا قطعاً يوجب عدم الفرق بين اليسير و الكثير منه.
و التزامه [/ الفرق بين اليسير و الكثير]- كما يومئ إليه ذكر بعضهم ( [7]) هذه الأشياء بعنوان الاستثناء من حرمة ما يقدح في الموالاة- فيه ما لا يخفى، مع أنّه لا ينبغي الاستشهاد به حينئذٍ على استثناء اليسير الذي ادّعي عدم قدحه في الموالاة لا استثناؤه، فتأمّل.
و أمّا ما كان مورد دليله خصوص القراءة كسؤال الرحمة و التعوّذ من النقمة فالمتجه الاقتصار عليه خاصّة، لا التعدّي منه إلى مطلق اليسير؛ إذ هو- مع أنّه قياس- ليس بأولى من التعدّي حينئذٍ إلى مطلق الدعاء؛ ضرورة اشتراكهما [/ سؤال الرحمة و التعوّذ من النقمة أثناء القراءة، و مطلق الدعاء] معاً في وجود الجامع، و على خصوص ما لا تفوت به الموالاة منهما كما اومئ إليه سابقاً عند البحث عنهما في المحكي عن المعتبر ( [8])، فلاحظ ذلك.
وليت السيّد المزبور أبدل الاستثناء المذكور بالمناقشة في أصل اعتبار الموالاة إن لم يقم إجماع عليه بعدم الاطمئنان بدعوى التأسّي في مثل المقام؛ إذ هو- بعد الإغضاء عن ثبوت هذا النقل عنه، و عن الرواية المذكورة تتمّةً للاستدلال به، و هي قوله (صلى الله عليه و آله و سلم):
«صلّوا كما رأيتموني اصلّي» ( [9]) قد يناقش بأنّ هذا الترك منه (صلى الله عليه و آله و سلم) لجريان العادة بالتتابع في القراءة، خصوصاً إذا كان غرضه (صلى الله عليه و آله و سلم) تعليم أصل الصلاة و بيانها؛ ضرورة أنّ كل من تلبّس في تعليم أمر من الامور الدنيويّة أو الاخرويّة لا يمزج غالباً في أثنائه أمراً آخر غيره، كما هو واضح لكلّ من لاحظ و تأمّل، فلعلّ موالاته (صلى الله عليه و آله و سلم) كانت لذلك [/ التعليم]، كموالاته بين الأفعال و بين الأقوال غير القراءة من التشهّد و الأذكار، بل و بين الأفعال و الأقوال كأذكار الركوع و السجود و نحوهما، لا لوجوب التوالي المزبور.
و الاقتصار على المتيقّن لا يتمّ على المختار من الأعمّية و على التمسك بالإطلاقات الكتابيّة و السنّية.
و منع الشيوع الإطلاقي كمنع فوات النظم بمطلق فوات الموالاة، و ثبوته في البعض لا يصلح دليلًا للكلّ.