بقي شيء: و هو أنّه لا ريب في كون حمل الطهور على المطهّرية بالمعنى الشرعي ليس معنى لغوياً، بل هو إمّا أن يكون من باب النقل الشرعي أو المجاز، و الظاهر الأوّل؛ لثبوت الحقيقة الشرعية فيه. لكن دعوى أنّ المراد منه حينئذٍ المطهّر من الأحداث و الأخباث محلّ منع، فإنّهم صرّحوا أنّ استعمال لفظ الطهارة في الثاني من باب المجاز، فيكون اللفظ مستعملًا في حقيقته و مجازه، و حمله على عموم المجاز لا قرينة عليه.
و قد يقال: إنّ وروده في معرض الامتنان مع عدم التشخيص يعيّن ذلك، لكنّه لا يخلو من نظر.
و أورد بعضهم على الاستدلال بالآية: أنّ أقصى ما تدلّ عليه طهورية ماء السماء، لا مطلق الماء، و بأنّ لفظ «ماء» نكرة في سياق الإثبات، فلا تفيد العموم.
و الجواب عن الأوّل:
أوّلًا: بالإجماع المركّب. لا يقال: إنّه خروج عن الاستدلال بالآية حينئذٍ. لأنّا نقول: إنّ الإجماع المركّب لا يفيد بدونها شيئاً.
و ثانياً: أنّ المياه كلّها أصلها من السماء؛ بدليل قوله تعالى: (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنّٰا عَلىٰ ذَهٰابٍ بِهِ لَقٰادِرُونَ)[1]، و ربّما أشارت إليه بعض الأخبار [2].
و عن الثاني: بأنّ النكرة في سياق الإثبات تفيد العموم إذا وقعت في معرض الامتنان، كما في قوله تعالى: (فِيهِمٰا فٰاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّٰانٌ)[3]، مضافاً إلى الإجماع المزبور، و الأمر سهل.
بقي شيء ينبغي التنبيه عليه:
و هو أنّ ما دلّ على طهورية الماء من الكتاب و غيره، هل يقضي بشمول المطهّرية لسائر المتنجّسات، أو لا شمول فيه لذلك، فما شُكّ في قابليّته للطهارة به من دون انقلابه إليه يبقى على أصل النجاسة؟ لا يبعد في النظر الثاني. و ما دلّ على كونه مخلوقاً طاهراً مطهّراً لا يستلزم شموله للجميع، بل يكفي في صدق ذلك تطهيره لكثير من الأشياء. و إن كان الأوّل لا يخلو من وجه؛ و لعلّه هو مبنى كلام العلّامة في تطهير المضاف من حكمه بطهارته بمجرّد اتّصاله بالكثير و إن بقي على إضافته [4].
و فيه:
أنّه لو سلّمنا شمول المطهّرية، لكن لا يكفي ذلك في بيان كيفيّة التطهير و لا عموم يرجع إليه في الكيفيّة، فعمومها حينئذٍ غير مفيد شيئاً؛ لمكان الإجمال في الكيفية المتوقّف حصولها على بيان الشارع، فحينئذٍ على كلّ حال هذه العمومات لا تثمر للفقيه ثمرة، و لا متيقّن يرجع إليه، و ربّما تسمع فيما يأتي بعض الكلام في ذلك إن شاء اللّٰه.