(و) كيف كان، فالماء (باعتبار وقوع النجاسة فيه) و تأثيرها و عدمه (ينقسم إلى) ثلاثة أقسام: (جارٍ، و محقون، و ماء بئر).
[القسم الأوّل- الماء الجاري]:
(أمّا الجاري) فهو- على ما قيل-: النابع السائل على الأرض و لو في الباطن سيلاناً معتدّاً به (1).
(1) و ربّما عرّف بأنّه النابع غير البئر- كما وقع من بعض المتأخّرين [1]- مع التصريح بأنّه لا فرق بين جريانه و عدمه.
و تسميته حينئذٍ جارياً: إمّا حقيقة عرفية خاصّة، أو من باب التغليب؛ لتحقّق الجريان في كثير من أفراده، فمثل العيون التي لا تدخل تحت اسم البئر من الجاري حينئذٍ. و لا أعلم السبب الذي دعاهم إلى ذلك:
1- مع أنّه منافٍ للعرف الذي تثبت به اللغة؛ إذ لا يصدق الجاري إلّا مع تحقّق الجريان.
2- و ليس في الأخبار و لا في كلام الأصحاب و لا غيرهم ما يحقّق تلك الدعوى.
3- بل ربّما يشير قولهم في تطهير الجاري-: «إنّه يطهر بكثرة الماء الجاري عليه متدافعاً حتى يزول التغيير»، و ما في بعض الأخبار: «عن الماء الجاري يمرّ بالجيف و العذرة و الدم أ يتوضّأ منه؟ ... إلى آخره» [2]- إلى خلافه.
4- كما يظهر من بعض العبارات من كون الجاري ما تحقّق فيه الجريان.
و من هنا صرّح بعض المتأخّرين كالفاضل الهندي [3] و غيره باعتبار السيلان في الجاري. خلافاً لما وقع من الشهيد الثاني و من تبعه من كونه النابع غير البئر تعدّى أو لم يتعدّ 4. و لعلّه أخذه من حصرهم المياه في الجاري و المحقون و ماء البئر، مع استظهاره كون العيون و نحوها لا تدخل في المحقون و لا ماء البئر. أمّا الثاني فلعدم صدق الاسم، و أمّا الأوّل فلأنّ لها مادة، فلم يبق إلّا دخولها في الجاري، و لا يكون ذلك إلّا بالتزام أنّ الجاري هو النابع غير البئر؛ لعدم التعدّي فيها.
و فيه:
1- أنّ هذا الحصر لم يقع من الجميع، بل و لا من الأكثر.
2- و أيضاً لا مانع من إرادة- مَن حصر ذلك- الجاري أو ما في حكمه، كما يظهر من إلحاقه ماء الحمام و نحوه، كما صنع المصنّف، فتأمّل، أو يلتزم دخولها تحت اسم البئر، و ارتكابه مثل ذلك في لفظ الجاري ليس بأولى من ارتكاب شمول لفظ البئر، بل هو أولى. فالتحقيق حينئذٍ إدخالها فيه إن ساعد العرف على ذلك، و إلّا كان لها حكم الجاري و إن لم تدخل في الاسم.