و لقد وقع في الرياض في المقام خلل لا يغتفر؛ لأنّه قال في مزج عبارة النافع: «و طولًا من رءوس الأصابع إلى الكعبين إجماعاً، كما في الخلاف و الانتصار و التذكرة و ظاهر المنتهى و الذكرى» [1] انتهى.
أمّا أوّلًا فلأنّ الموجود في الذكرى نسبته إلى عمل الأصحاب، و هو بمعزل عمّا نحن فيه [من الإجماع عليه]، و لذا كان ظاهره فيها [في الذكرى] التردّد.
و أمّا ثانياً فلأنّ قوله: «و ظاهر المنتهى ...» يقضي بصراحة ما قبله في الإجماع على المقام، و قد عرفت أنّ عبارة المنتهى هي التي كادت تكون صريحة، بخلاف عبارة الخلاف كما عرفت.
و أمّا ثالثاً فلجعله عبارة التذكرة من الصريح، مع أنّ ظهورها في المقام محلّ إشكال، قال فيها: «لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح، بل يكفي المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع عند فقهاء أهل البيت» 2. و مثل هذه العبارة حرفاً بحرف وقعت للمصنّف في المعتبر [3] الذي هو أوّل من تردّد بالمقام.
و كأنّ مرادهما [المحقّق و العلّامة] منها عدم إيجاب استيعاب العرض، و أنّ المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين و لو بإصبع واحدة مُجزٍ، لا أنّه واجب كما نحن فيه، على ما يظهر من قولهما: «يكفي».
و كيف كان، فيدلّ عليه- مضافاً إلى ما سمعت-. أنّه الظاهر المتبادر إلى الذهن من الوضوءات البيانيّة؛ لظهور قوله (عليه السلام):
«و مسحَ قدميه» [4] و نحوه في الاستيعاب الطولي و العرضي، إلّا أنّ انعقاد الإجماع من الأصحاب على عدم وجوب الثاني قرينة على عدمه.
و دعوى صدق اسم مسح القدم بمسح جزء منه بعيدة. و في بعضها: أنّه (صلى الله عليه و آله و سلم) «مسح قدميه إلى الكعبين» [5]. و احتمال التحديد منها لا وجه له، كما هو واضح. و في الخبر: «أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب» [6].
و قوله تعالى: (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[7]، أمّا على قراءة النصب فواضح على كلا التقديرين [سواء] إن جعلت «إلى» غاية للمسح أو الممسوح؛ لما سمعت من ظهور الاستيعاب فيه [في ما إذا كانت الغاية للممسوح] أيضاً، فيكون كقوله تعالى: (إِلَى الْمَرٰافِقِ).
و لا ينافيه قراءة الجرّ [عطفاً على لفظ الرءوس]؛ لاحتمال كون «إلى» غاية للمسح، فيوافق الأوّل. و يحتمل كونها غاية للممسوح، فيوافقه [الأوّل] أيضاً على أحد الاحتمالين، و هو على أن يراد بقوله تعالى: (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بيان للبعض المأمور بمسحه، المستفاد من تقدير الباء.
نعم، [قراءة الجرّ] يخالفه [قراءة النصب] على الاحتمال الثاني، بأن يراد بكونه غاية للممسوح الاجتزاء بمسح أيّ جزء منه، لكن لا مقتضي للحمل عليه، بل المقتضي على خلافه موجود.