نعم، لا يخفى عليك ما فيه، لما تقدّم سابقاً [من الأصل و خلوّ الأدلّة عنه].
بل قد يقال: إنّ تلازمهما [الاستباحة و رفع الحدث] في الواقع لا يقضي به في قصد المكلّف، و المقصود الثاني [أي التلازم بينهما في قصد المكلّف]، فإنّه قد يعرف المكلّف اشتراط صحّة الصلاة بهذه الأفعال، و لا يعرف أنّها رافعة لحكم الحدث من المنع للصلاة؛ إذ قد يجهل مانعيّته.
فدعوى أنّ قصد الاستباحة يلزمه قصد الرفع ممنوعة. بل قد يمنع التلازم في الواقع أيضاً بحصول الاستباحة و لا رفع، كوضوء المسلوس و المبطون و المستحاضة و نحوها، فلا يكتفى بنيّتها عنه.
و القول بأنّه لا فرق معنىً بين الاستباحة و رفع الحدث؛ إذ الحدث عبارة عن الحالة المترتّب عليها منع الصلاة، فمتى حصلت الاستباحة ارتفعت.
فيه: أنّ مرجعه إلى نزاع لفظي يأتي التنبيه عليه إن شاء اللّٰه تعالى. بل قد يقال بانفكاك الرافع عن المبيح بوضوء الحائض؛ لرفع حدثها الأكبر مع الغسل [دون الوضوء]، و لا إباحة فيه [فإنّ المبيح هو الوضوء].
و كذا القول بالاكتفاء [بنيّة الاستباحة عن نيّة رفع الحدث] ليس لمكان التلازم، بل لظهور قوله تعالى: (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)[1] في إرادة: اغسلوا وجوهكم لها، نحو قولك: إذا لقيت العدو فخذ سلاحك، أي للقائه، و الأمر يقتضي الإجزاء. إذ فيه: أنّه حينئذٍ لا معنى للاكتفاء بنيّة رفع الحدث كما زعمتم، و حمل الأمر على الوجوب التخييري مجاز بلا قرينة، بل لا معنى للتعدّي إلى غير الصلاة ممّا شرط صحّته بالطهارة، و أولى منه عدم التعدّي لما شرط كماله بها.
[القول الثالث]: و ممّا سمعت من الآية [ (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ ...)] يظهر لك وجه من اقتصر على نيّة الاستباحة، كما لعلّه يظهر من الشيخ في الخلاف [2] و المنقول عن المرتضى [3] و الشيخ في الاقتصاد [4]؛ لاقتصارهما على ذكرها.
لكن فيه:
1- مضافاً إلى ما سمعت من أنّ الاستباحة و الرفع أمران مترتّبان على هذه الأفعال علم المكلّف أو جهل، فضلًا عن النيّة و عدمها؛ لكونها من الأوصاف الخارجيّة التي رتّبها الشارع عليها.
2- إنّ ما ذكر من الآية لا دلالة فيه على وجوب نيّة كونه للصلاة؛ إذ كونه لها لا يفيد أزيد من توقّف صحّتها عليه، و أنّه ليس واجباً لنفسه، و هو لا مدخليّة له فيما نحن فيه.
3- و ما ضربه من المثال بأخذ السلاح ليس بأوضح ممّا نحن فيه [و هو الآية]، بل هما من وادٍ واحد.
و القول بأنّ السيّد إذا قال لعبده: قم لإكرام زيد مثلًا، لا ريب في أنّه لا يعدّ ممتثلًا إذا قام لا بهذا القصد- لظهور أنّ امتثال هذا التكليف لا يكون إلّا بالقيام مقصوداً به ذلك؛ لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده- [فهو] مسلّم.