و لا يخفى عليك ما في دعوى الثلاثة من الإجمال، بل لم نعثر لهم على ما يقضي بتخصيص ما سمعت من الأصل، بل الاصول و العموم و غير ذلك، سوى قول الصادق (عليه السلام) في الموثق- بعد أن سُئل عمّا تشرب منه الحمامة، فقال-: «كلُّ ما اكل لحمه فتوضّأ من سؤره و اشرب» [1].
و فيه:
1، 2- مع أنّ جماعة من الفطحية في سنده. و كون دلالته بالمفهوم، بل على عموم المفهوم، و قد منعه العلّامة- هنا- في المختلف [2]، و اكتفى في صدق المفهوم بسلب الحكم المنطوقي عن بعض أفراد المفهوم، و هو يتحقّق- هنا- في الكلب و الخنزير، و إن كان منعه لا يخلو من منع للعرف، لكنّه لا يخلو من وجه.
3، 4- و مع أنّ الخارج [عن ما لا يؤكل لحمه] أضعاف الداخل بمراتب كثيرة على تقدير أخذه مستنداً لما في السرائر و المهذّب و المبسوط. بل لا دلالة فيه على النجاسة، كما ادّعاه ابن إدريس، و لا [على] منع سائر الاستعمال على دعوى غيره.
5- مضافاً إلى أنّ غير المأكول من المسئول عنه خارج و هو الطيور على دعوى التهذيب و غيره، فكيف يراد به ضابطاً في المفهوم و المنطوق؟
1/ 370/ 667
6- معارض بغيره ممّا هو معتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل سمعت حكايته عن بعضهم، و هو:
أ- صحيح البقباق، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن فضل الهرّة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش [و السباع]، فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه، فقال: «لا بأس به»، حتى انتهيت إلى الكلب، فقال: «رجسٌ نجس ... إلى آخره» [3].
ب- و مرسل الوشاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه كان يكره سؤر كلّ شيء لا يؤكل لحمه» [4].
جو خبر ابن مسكان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ فيه الكلب أو السنّور، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك، أ يتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال: «نعم، إلّا أن تجد غيره فتنزّه عنه» [5]. و اشتماله على الكلب لا يخرجه عن التمسّك بغير ذلك كما هو محرَّر في محلّه. مع احتمال حمل الكلب فيه على السبع غير النابح و الخنزير؛ لأنّه في الأصل لكلّ سبع عقور، [ثمّ] غلب على هذا النابح، كما عن صاحب القاموس [6].
7- مع معارضته أيضاً على دعوى التهذيب بما دلّ على نفي البأس عن سؤر السباع [7]، بل بما دلّ على نفي البأس عن الوضوء بما وقعت فيه الحيّة و العظاية و الوزغ و الفأرة [8]. و بها- فيما عدا الفأرة- يرد على دعواه في الاستبصار، إن لم نقل بشمول تعليله، بل بأخبار السؤر أيضاً إلى غير ذلك، و القصور في السند و الدلالة على تقدير وجوده منجبر بما سمعت من الشهرة.
و لا يخفى عليك إمكان الردّ ببعض ما ذكرنا أخيراً على دعوى المبسوط و المهذّب، فالمسألة سليمة [من] الإشكال بحمد اللّٰه.
و يأتي الكلام فيما اختلف في طهارته و نجاسته في النجاسات إن شاء اللّٰه.