بل لا يبعد في نظري القاصر (1) أنّ الأمر يختلف باختلاف الآبار و البواليع من قرب القرار و عدمه و الجهة و عدمها باختلاف الأراضي، و المدار على الاطمئنان بعدم وصول ماء البالوعة إلى البئر. و قد يحصل ذلك بالثلاثة أذرع، و قد لا يحصل بالعشرين؛ لكثرة ماء البالوعة و شدّة نفوذه، فالمدار حينئذٍ عليه، و لا بدّ من ملاحظة جميع ما له دخل في ذلك: من قرب القرار و عدمه و شدّة النفوذ و عدمه و الجهة و غير ذلك، فتأمّل جيّداً (2).
نعم، لا بأس بالرجوع لما قدّره المشهور عند عدم معرفة حال الأرض بالوجوه المتقدّمة، حتى يحصل الاطمئنان النفسي.
و هل علوّ القرار يكفي في الحكم بالخمسة و لو قليلًا، فيكون مبنياً على التحقيق أو لا؟ الظاهر أنّ المدار على صدق ذلك عليه عرفاً.
(1) [ف] انّه يستفاد [ذلك] من ملاحظة:
1- رواية قدامة و رواية ابن رباط و رواية الديلمي.
2- و صحيحة الفضلاء، قالوا: قلنا له: بئر يتوضّأ منها، يجري البول قريباً منها، أ ينجّسها؟ فقال: «إن كانت البئر في أعلى الوادي، و الوادي يجري فيه البول من تحتها، فكان بينهما قدر ثلاثة أذرع [أو أربعة أذرع] لم ينجس ذلك بشيء، و إن كان أقلّ من ذلك نجّسها. قال: و إن كانت البئر في أسفل الوادي و يمرّ الماء عليها، و كان بين البئر و بينه تسعة أذرع لم ينجّسها، و ما كان أقلّ من ذلك فلا يتوضأ منه. قال زرارة: فقلت له: فإن كان مجرى البول يلاقيها [1] و كان لا يثبت على الأرض؟ فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس، فإن استقرّ منه قليل فإنّه لا يثقب [2] الأرض و لا قعر له حتى يبلغ البئر، و ليس على البئر منه بأس فيتوضّأ منه، إنّما ذلك إذا استنقع كلّه» [3].
3- و ممّا رواه الحميري في قرب الاسناد عن محمّد بن خالد الطيالسي عن العلاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن بئر يتوضّأ منها القوم و إلى جانبها البالوعة؟ قال: «إن كان بينهما عشرة أذرع و كان البئر التي يستقون منها ممّا يلي الوادي فلا بأس» [4].
(2) و من هنا أمكن أن يدّعى في صحيحة الفضلاء أنّ التقدير بالثلاثة أذرع و التسعة لمكان اجتماع الجهتين، بل قد يدّعى أنّه متّجه على ما ذكروا؛ و ذلك لأنّ فوقيّة الجهة لها ذراعان، و لذا رجعت صورة التساوي معها إلى الخمسة مع أنّها سبعة، فعلم من ذلك أنّ الموظّف لها ذراعان، فحيث تجتمع مع مقتضي السبعة ينبغي أن تجعل تسعة، و حيث تجتمع مع مقتضي الخمسة ينبغي أن يجعل ثلاثة؛ لزيادة السبعة في الأوّل ذراعان، و نقصان الثاني كذلك.
لا يقال: إنّ رواية الفضلاء لا تدلّ على علوّ الجهة؛ لأنّ أعلى الوادي لا يلزم أن يكون في مهبّ الشمال.
لأنّا نقول: الظاهر أنّ المراد ذلك في آبار مكّة، و أعلى الوادي فيها مهبّ الشمال.