و كيف كان، فالمتكلّم بالجمع تارة يقصد منه مجرّد مصداقه، فيحصل الامتثال بمسمّاه و لا يقصد منه عدد مخصوص؛ إذ ليس هو داخلًا في ماهيّته و حقيقته. و اخرى يلاحظ مقداراً مخصوصاً من العدد، و هذا تارة يحصل التصريح به إمّا بجعله مميّزاً لذلك المقدار من العدد المراد أو بغيره، و تارة يعلم المراد منه ذلك، لكنّه لم يعلم خصوص العدد المراد. و لا إشكال في جميع ما تقدّم، إنّما الكلام في الأخير.
فنقول حينئذٍ: إمّا أن تحصل قرينة دالّة على ذلك المقدار أو لا، و لا إشكال فيما إذا حصلت، و مع عدم حصولها فهل مجرّد قابلية التمييز لنوع خاصّ دون غيره قرينة على إرادة ذلك العدد منه دون الآخر أو لا؟ الظاهر الأوّل.
فإن قلت: إرادة العدد منه لا تقضي بتقدير العدد قبله بحيث يقع مميّزاً له، بل قد يكون حينئذٍ يقدّر بعده أو قبله ما يفيد ذلك، مثلًا إذا قال: «أعط زيداً دراهم» و علمنا إرادة العدد منه، فقد يكون المراد منه حينئذٍ دراهم تبلغ مائة أو خمسين أو نحو ذلك و إن لم يصلح لأن يكون مثل هذا اللفظ مميّزاً له.
قلت: إنّ ذلك محتمل، لكن يرجّح الأوّل بما يقتضيه المقام من قلّة الإضمار و جريانه مجرى الأعداد و نحوهما.
إذا عرفت ذلك فنقول هنا: أمّا إرادة مطلق الدلاء من غير إرادة عدد مخصوص بحيث يحصل الامتثال بأقلّ ما يصدق عليه، فمقطوع بعدمه بالإجماع من الأصحاب؛ و لذلك لم يعترض به المحقّق (رحمه الله) [في المعتبر] على الشيخ، فلا كلام حينئذٍ في إرادة العدد المخصوص، و إنّما الكلام في تشخيصه. و ملاحظة كلامهم (عليهم السلام) في بيان المنزوحات من العشرين و الثلاثين و الأربعين و غير ذلك تقضي بأنّ لفظ الدلاء الواقع في كلامهم في هذا المقام مقصود منه التمييز كما في غيره ممّا صرّح بالتمييزية فيه، و حينئذٍ ينحصر ذلك في الثلاثة إلى العشرة؛ لعدم صلاحيته لتمييز غيره. و احتمال أن يقال: إنّه قد يراد مثلًا عشرون و خمسة دلاء أو مائة و عشر دلاء و نحو ذلك ضعيف؛ لاشتماله على حذف عددٍ و تمييزه من غير قرينة.
فإن قلت: تعيّن العشرة حينئذٍ لا معنى له.
قلت:
1- تعيّن العشرة ليس بقرينة تدلّ عليها بالخصوص، بل إنّما هو لباب المقدّمة الواجب امتثاله في المقام على تقدير النجاسة أو الوجوب التعبّدي.
2- على أنّه يمكن دعوى القرينة الدالّة عليها بالخصوص بأن يقال: إنّ الرواية قد اشتمل سؤالها على العذرة و قليل الدم، و كان الجواب عنهما بهذا اللفظ. و الفرض أنّه علم إرادة العشرة في الأوّل بقرينة الأخبار [1] الاخر الدالّة على ذلك، فيقوى الظنّ إرادة ذلك بالنسبة للقليل من الدم.
و كأنّ مراد المحقّق (رحمه الله) من المثال الذي ضربه في ردّ كلام الشيخ هو أنّ مميّز العدد إن جيء معه بالعدد فلا إشكال، و إن لم يُجَأ به فلا يعلم إرادة مقدار منه و إن كان مقصود المتكلّم إرادة الخاص منه. و كونه لا يصلح لأن يقع تمييزاً لغيره لا يكون قرينته، فإنّ القائل إذا قال: «عندي دراهم» لا ينكر عليه في تفسيره لذلك بالزائد على العشرة، و استوضح ذلك في باب الإقرار.