و لمكان هذا الاختلاف بينه و بين المشهور يحتمل تنزيل كلامه على ما بلغ عشرة و نصفاً مع تساوي الأبعاد الثلاثة في المقدار، و هو عين مذهب المشهور، و إن أبيت فهو فاسد؛ لظهور الأخبار في إرادة الضرب، بل الإجماع المركّب، على أنّه يلزمه عليه اختلاف مقدار الكرّ، فتارة ما يملأ قربة أو جرّة و اخرى ما يملأ حبّاً و راوية و أكثر، و هو من المستبعد جداً.
و مستند السادس [أي ما عن ابن طاوس] و هو العمل بكلّ ما روي؛ لاختلاف الأخبار، قيل: و مرجعه إلى مختار القمّيين [1] [و هو ما بلغ سبعة و عشرين شبراً]، و حمل الزائد على الندب.
و قد يقال: إنّ الكرّ عنده اسم لما بلغ سبعة و عشرين إلى الستة و ثلاثين و منها إلى رواية المشهور، و متى ما حصل نقصان في 1/ 180/ 358
الأربعين مثلًا رجع إلى الفرد الآخر، فيكون عنده أكرار لا كرّ واحد حتى يحمل الزائد على الندب، أخذاً بظاهر ما دلّ على أنّ الكرّ سبعة و عشرون و ستة و ثلاثون و ثلاثة و أربعون، فيكون الكرّ عبارة عن الثلاثة.
و مثله يجري في السابق أي كلام الراوندي، إلّا أنّه من قبيل المشترك المعنوي، و ما نحن فيه من قبيل المشترك اللفظي بين الثلاثة و إن كان بالنسبة إلى أفرادها بحسب الزيادة و النقصان أيضاً مشتركاً معنوياً.
و كيف كان، ففساده لا يحتاج إلى بيان:
أ- لظهور اتّحاد معنى الكرّ، و أيّ فائدة في بيان الفرد العالي مع حصوله بالفرد الأدنى سيّما في بيان المقدار الذي تدور الطهارة و النجاسة على وجوده و عدمه؟! ب- مع أنّه إن أراد أنّ هذه المعاني وضع لها شرعاً، ففيه:
1- مع أنّ أصالة عدم التعدّد تقضي بعدمه. 2- أنّ الكرّ ليس له في الشرع بحسب الظاهر حقيقة شرعية؛ و لذا ما ذكر يوماً في لسان المتشرّعة أنّ الكرّ لغة كذا و شرعاً كذا، مع أنّ طريقتنا لضبط الحقيقة الشرعية إنّما هو المتشرّعية.
جو إن أراد [أنّه وضع لها] لغة فهو معلوم العدم، و إن أراد المجاز فهو مع بعده، بل منعه لا يتصوّر فيه هذا الابتداء و الانتهاء.
و أمّا على الوجه الأوّل من [الحمل على سبعة و عشرين و] إرادة الندب [من الزائد] ففيه:
1- مع بُعد استفادة الندب من مثلها ممّا ذكر في بيان التقدير، بل امتناعه؛ إذ لا إشعار فيها باستحباب ذلك للمستعمل و لا يتصوّر غيره.
2- أنّه ليس عملًا بكلّ ما روي، بل هو إخراج لها عن ظاهرها.
3- هذا مع أنّه يمكن ادّعاء الإجماع على خلافه.
و هذا القول- كاحتمال حمل الأخبار على الكرّ الترتيبي- فأقصاه مثلًا تقدير المشهور، ثمّ من بعده الصحيحة المذكورة [أي ستة و ثلاثين]، ثمّ من بعده كرّ القمّيين، بمعنى أنّه مع وجود الفرد العالي لا يجوز استعمال الأدنى منه ... و هكذا؛ لاستلزامه إمّا المنع من استعمال الأدنى مع كونه كرّاً، أو أنّه ليس كرّاً، و بعد انعدام الأعلى يكون كرّاً [كما ترى].
و احتمال إرادة الترتيب بالمعنى الذي ذكرنا في كلام ابن طاوس قد عرفت ما فيه.
و مثلهما [في الفساد] احتمال القول: إنّ هذا تسامح في تقدير الكرّ، إذ كيف يعقل التسامح مع هذا التفاوت!