ثمّ قال: «و هذا الإشكال اليسير هو الذي ألجأ بعض العلماء إلى اعتقاد أنّ وجوب الوضوء أو غيره من الطهارات نفسي موسّعاً قبل الوقت و في الوقت، وجوباً مضيّقاً عند آخر الوقت، ذهب إليه القاضي أبو بكر العنبري و حكاه الرازي في التفسير عن جماعة، فصار بعض الأصحاب إلى وجوب الغسل بهذه المثابة» [1] انتهى.
و كيف كان، فعبارة الشهيد في الذكرى هي التي أوقعت بعض المتأخّرين [2] في الوهم حتّى عدّوه قولًا، و ربّما جنح إليه بعضهم [3]. و على هذا التقدير فهم لا يمنعون الوجوب الغيري. و تظهر الثمرة في نيّة الوجوب قبل الوقت، و في العقاب عند ظنّ الموت مع التمكّن منه، أو الوصول إلى حدّ التهاون عرفاً، كما في غيره من الواجبات الموسّعة.
لنا [على عدم نفسيّة الوجوب]:
1- الأصل، مع عموم البلوى به.
2- و الإجماعات المنقولة فيه و في التيمّم مع عموم البدلية، المؤيّدة بنفي الخلاف صريحاً و ظاهراً.
3- مع السيرة القاطعة بين العوام و العلماء.
4- و خلوّ الخُطب و المواعظ.
5- و عدم ذكر أحد له في الواجبات لا سيّما عند الاحتضار.
1/ 10/ 75
6- و عدم الإلزام به من النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) و الصحابة و التابعين و الأئمّة (عليهم السلام) لأحد من المحتضرين من نسائهم و أصحابهم.
7- و عدم أمر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أصحابه عند جهاد المشركين، و لا أمير المؤمنين في جميع حروبه لا سيّما حرب صفّين.
8- و مفهوم قوله تعالى: (إِذٰا قُمْتُمْ ...)[4] الدالّ على نفي وجوب الوضوء عند عدم الشرط.
و ما يقال: إنّ المنفي إنّما هو الوجوب لها؛ لظهور المنطوق فيه، و هو لا ينافي الوجوب النفسي.
يدفعه: شهادة العرف بخلافه. كما أنّه يدفع أيضاً احتمال عدم حجّية المفهوم في خصوص المقام؛ لمكان وجود فائدة له غير التعليق، و هي التنبيه على شرطيّته للصلاة، مع أنّ اعتبار مثل ذلك سادّ لباب حجّية مفهوم الشرط.
و كذا ما يقال: من أنّ المراد بالأمر بالغسل إنّما هو الوجوب الشرطي دون الشرعي؛ بدليل شمول الصلاة للنافلة، و لا يجب ذلك شرعاً لها إجماعاً، [يدفع] بمنع الشمول أوّلًا؛ لتبادر العهديّة الذهنيّة. و على تقديره، فخروجُ النافلة عن الحكم الشرعي المستفاد من الأمر دون الوضعي المستفاد منه- أيضاً- غيرُ قادح، فتأمّل. كما أنّه لا يقدح تقييد وجوب الوضوء في الفريضة بما بعد دخول الوقت، لعدم وجوبه قبله؛ إذ أقصاه زيادة قيود في سبب الوجوب، و يكون المفهوم حينئذٍ عدم الوجوب عند عدمها أو عدم واحد منها.