انعقاد الإجماع على أنّ المصدر المجرّد عن اللام و التنوين يدلّ على نفس الطبيعة لا يكون بنفسه دليلًا على كون نزاعهم في هيئة الأمر، إلّا أن ينضمّ إليه إجماع آخر على كون مادّة المصدر مادّة لسائر المشتقّات، و إلّا لو كانت مادّة المصدر غير مادّة سائر المشتقّات يصحّ نزاعهم في المادّة، كما لا يخفى.
و قد اختلف قدماء أهل الأدب في ذلك؛ فقال بعض بالغيرية، و قال آخر بالعينية.
بل لا يتمّ ذلك إلّا بأن يُعزّز الإجماعان بإجماع ثالث؛ و هو الإجماع على عدم كون المادّة و الهيئة موضوعتين بوضع واحد شخصي، و هو أيضاً محلّ الخلاف بينهم.
و بالجملة: مجرّد تمامية إجماع السكّاكي لا يوجب أن لا يكون النزاع في المادّة، بل لا بدّ من انضمام إجماعين آخرين؛ و هما الإجماع على وحدة مادّة المصدر مع سائر المشتقّات، و عدم كون كلّ منهما موضوعاً بوضع واحد شخصي.
فإذا عرفت ما ذكرنا: ينبغي عطف عنان البحث إلى ما يصحّ النزاع فيه و يكون معقولًا، و إن لم ينازعوا فيه:
فنقول: لا يخفى أنّه بحسب التصوّر يمكن أن يكون كلّ واحد من الهيئة و المادّة محلّا للبحث، كما يمكن أن يكون مجموعهما محلّا له.
و ليعلم أوّلًا: أنّه على تقدير كون الهيئة محلّا للنزاع لا بدّ و أن يقال عند ذاك: إنّ المادّة موضوعة للطبيعة اللابشرط، كما لا يخفى.
و لكن لا يعقل أن تكون الهيئة محلّا للنزاع؛ و ذلك لأنّ مفاد الهيئة- كما ذكرنا- للإغراء و البعث، نظير إشارة الأخرس؛ فكما أنّ الإشارة ليست إلّا إغراءً نحو المشار إليه فكذلك الهيئة.
نعم، لازم الإغراء بالحمل الشائع عرفاً أو عقلًا إيجاد الطبيعة خارجاً، و لا معنى لإغراءين تأسيسيين نحو طبيعة واحدة، كما لا يمكن تعلّق إرادتين مستقلّتين من