الإرادة التي لا يتصوّر فيها الشدّة و الضعف هي الإرادة التكوينية، و أمّا الإرادة التشريعية فهي تابعة للمصلحة التي تنشأ منها؛ فإن كانت المصلحة لزومية كانت الإرادة الناشئة منها إلزامية، و يعبّر عنها بالإرادة الوجوبي، و إن كانت المصلحة غير لزومية كانت الإرادة أيضاً غير إلزامية، و يعبّر عنها بالإرادة الاستحبابي [1]
. أقول: لم يقيما العلمان دليلًا و برهاناً على مدّعاهما، و غاية ما يظهر منهما هي أنّ الإرادة هي الشوق المؤكّد الذي لا تكون فوقها مرتبة. نعم ادّعى المحقّق النائيني (قدس سره) شهادة الوجدان على مقالته.
فنقول من رأس: كون الإرادة عبارة عن الشوق المؤكّد و إن وقع في كلام كثير [2]- حتّى من الفلاسفة [3]- و لكنّه غير صحيح؛ و ذلك لأنّه قد تريد شيئاً و لا تكون مشتاقاً إليه، فضلًا عن تأكّده، بل كنت تكرهه، هذا.
مضافاً إلى اختلافهما من حيث المقولة؛ لأنّ الإرادة صفة فعلية- و يعبّر عنها بتجمّع النفس و همّتها و نحوهما- و الاشتياق صفة انفعالية.
و إن كنت في ريب ممّا ذكرنا: فاختبر نفسك حال من فسد عينه، و قال الطبيب الحاذق: إن أردت السلامة و العافية فلا بدّ من قلعها.
فالمريض العاقل يتصوّر قلع عينه و يصدق بفائدته، فيرجّح القلع على بقائها؛ لأنّ سلامته و عافيته على قلعها. و لكنّه مع ذلك لم يكن مشتاقاً إلى قلعها، و هذا أوضح من أن يخفى.
نعم، قد يريد شيئاً، و يكون مشتاقاً إليه أيضاً، كمن يريد إنقاذ محبوبه من الغرق.