و ثالثاً: أنّه ربّما يكون الواضع غير المُستعمِل، بأن يضع اللّفظ لمعنىً لكي يستعمله غيره، و لم ينقدح في ذهن المُستعمل تعهّد الواضع و التزامه، فحديث التعهّد و الالتزام كما ترى.
فتحصّل: أنّ القول: بأنّ الوضع تعهّد الواضع و التزامه، كما يراه العلّامة الحائري، وفاقاً للمحقّق الرشتي 0، أو القول: بأنّه نحو اختصاص اللّفظ بالمعنى، كما يراه المحقّق الخراساني (قدس سره)، أو الربط الواقعي بينهما، كما يراه المحقّق العراقي (قدس سره)، كلّها خارجة عن حريم وضع الألفاظ لمعانيها، و جُلّ ما ذُكر امور لاحقة للوضع؛ لأنّ الوضع- كما أشرنا- عبارة عن تعيين اللّفظ للمعنى و جعله علامة لها؛ من دون أن يتحقّق في الخارج شيء من ربط و علاقة واقعيّة بينهما، بل حال اللّفظ و المعنى بعد الوضع حالهما قبل الوضع، نعم يوجد بينهما ربط اعتباريّ.
و بالجملة: إذا كان للواضع نحو اختصاص بالموضوع له، كما إذا كان مُخترعه أو مصنّفه أو ولده، أو له نفوذ و موقعيّة في الأهل و المجتمع ... إلى غير ذلك من المناسبات، فإذا وضع لفظ لمعنىً يتّبعونه في التسمية بتلك اللّفظة؛ من دون أن يتحقّق بينهما ربط واقعيّ، و لا فرق في ذلك بين الأعلام الشخصيّة و أسماء الأجناس.
بقي في المقام شيء- ربّما يختلج بالبال، بل ربّما قيل-: و هو أنّه إذا كانت حقيقة الوضع عُلْقة اعتباريّة، و دائراً مدار الاعتبار، يلزم انعدام هذه العُلقة بانعدام المُعتبرين و انقراض الواضعين أو هلاك المستعملين، و هذا ممّا يأباه العقل السليم و الذوق المستقيم [1]
. و لكن يمكن دفعه: بأنّه يقبله العقل السليم و الذوق المستقيم بلا ريب، بل لا بدّ