نام کتاب : جامع الشتات نویسنده : الشيخ الخواجوئي جلد : 1 صفحه : 184
فهذا الخبر صريح في كونهما كاسبي الخطّ و متكلّفي تحصيله و تحسينه، فدلّ علىٰ أنّ كمالاتهم العلمية و العملية كانت في بدو فطرتهم و زمان خلقتهم بالقوّة، و إنّما صارت بالفعل بالتعلّم و التكسّب شيئاً بعد شيء و على سبيل التدريج كما في سائر أفراد النوع. و في الكافي عن الصادق (عليه السلام) أنّه «سئل عن العلم أ هو شيء يتعلّمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك و أوجب، أما سمعت قول اللّٰه عزّ و جلّ: «وَ كَذٰلِكَ أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنٰا مٰا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتٰابُ وَ لَا الْإِيمٰانُ»[1] ثمّ قال (عليه السلام): بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب و لا الإيمان حتّى بعث اللّٰه عزّ و جلّ الروح التي ذكرها في الكتاب، فلمّا أوحاها إليه علّم بها العلم و الفهم و هي التي يعطيها اللّٰه عزّ و جلّ من يشاء، فإذا أعطاها عبداً علّمه الفهم» [2]. فدلّ علىٰ أنّ قبل إعطائها كانوا محتاجين إلى التعلّم و التفهّم و إن صاروا بعده مستغنين عنهما، و هذا خارج عمّا فرض الكلام فيه.
فإن قلتَ: دلالة هذه الأخبار علىٰ تعلّمهم غير مسلّمة، و السنّة جوّز كونهم في الكتّاب عند المعلّمين من غير أن يتعلّموا منهم. قلتُ: هذا مع كونه خلاف الظاهر منها خلاف المتعارف أيضاً؛ إذ لم يعهد أن يرسل الصبيّ إلى الكتّاب لمجرّد أن يكون فيها و هو غير محتاج إلى التعلّم منهم، و مدار الاستدلال من الآيات و الروايات من السلف إلى الخلف على الظاهر المتبادر، و لا يقدح فيه الاحتمالات البعيدة الغير المنساقة إلى الأذهان. و أمّا ما اشتهر بين الطلبة من قولهم: «إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال» فإنّما هو في العقليّات الصرفة المطلوب فيها اليقين، و أمّا في النقليّات التي يكتفى فيها بمجرّد تحصيل الظنّ فلا.