و تنهي أو تزجر شخصاً لا حول و لا قوّة له على القيام بعمل معيّن أو تركه. و هذا أمرٌ بيّن و واضح، و في باب الاصول هناك بحث بحثه سيّدنا الأستاذ الأعظم الإمام- مدّ ظلّه العالي- و بحثناه أيضاً تبعاً للسيّد الاستاذ، و مفاده أنّ التكاليف العامّة هل يشترط فيها القدرة؟ و أمّا كون العجز عن القيام بالتكليف هل هو معذّر، أم لا؟ فهذا بحث آخر. المسألة هي: أنّ التكليف حتّى لو كان تكليفاً غير عامّ، فإنّه يشترط فيه القدرة على أدائه، فإذا لم تتوفّر القدرة، يفقد التكليف معناه، و السيّد الإمام- مدّ ظلّه العالي- يرى هذا المعنى. بعد أنّ اتّضح لنا هذا المعنى، ننتقل إلى الآية الشريفة: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها هل المقصود من الآية هو القدرة العقليّة؟ نستبعد ذلك، لأنّ ظاهر قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها في مقام الامتنان على كافّة المكلّفين في جميع الملل و الأديان. فالآية لا تقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها في هذه الامّة و في هذه الشريعة، بل معناها أنّ المكلّف يكلّف بقدر وسعه دائماً. و كما أنّ الظّلم ممتنع الصدور منه تعالى، كذلك تكليف الإنسان بما لا يطاق.
فالمسألة مسألة امتنان، بالإضافة إلى الشرط الذي يستقلّ به العقل. و فحوى اشتراط القدرة هي أنّه مع عدم وجود القدرة لا يبقى هناك أيّ معنى للتكليف. و من هنا نفهم أنّ الوسع ليس بمعنى القدرة العقليّة، و لا يعني الوسع ما يشترط العقل في مسألة التكليف. إذن ما ذا يريد بالوسع؟ هل من الممكن أن نضع مسألة الوسع مقابل مسألة الحرج فنقول: لا يكلّف اللَّه نفساً إلّا ما لا يكون حرجيّاً عليها؟ الفقهاء الذين استدلّوا بهذه الآية استندوا إلى هذا الرأي، و منهم المحقّق النراقي (رحمه الله) في العوائد و المحقّق البجنوردي (قدس سره) في القواعد الفقهية، و يفهم موقفهم هذا من خلال استدلالهم بهذه الآيات، علماً أنّ هذين العلمين لم يعلّقا على هذه الآية،