الآية بهذا المعنى و نقول: إنّ اللَّه سبحانه و تعالى لمّا اجتباكم كامَّةٍ بكامل أفرادها، إذن عليكم أن تطيعوه و لا تعصوه؟ و هنا نتساءل: أ لم يتوجب على الامم السابقة اجتناب المعصية؟ فما هي الميزة في قوله تعالى: هُوَ اجْتَباكُمْ التي يتوجب من خلالها لزوم الطاعة و اجتناب المعصية؟ فالامم الاخرى السابقة هي الاخرى أمرت بأن تلزم جانب الطاعة و تجتنب المعصية. الآية هنا تخاطب الأئمّة (عليهم السلام) و تقول: بأنّكم قد اجتباكم اللَّه و اختاركم من دون خلقه، و لذلك فإنّ المسئوليّة الملقاة على عاتقكم و الواجبات المنوطة بكم تختلف عن عامّة النّاس و عامّة المسلمين. أنتم عليكم أن تكونوا مصداقاً لقوله تعالى:
وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا بل يؤكد في الآية الاخرى: وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ أنكم لا بدّ و أن تجسّدوا أعلى مراتب الجهاد في اللَّه لقوله تعالى: حَقَّ جِهادِهِ، لما ذا؟ لأنّ اللَّه عزّ و جلّ هو الذي اجتباكم، أنتم قادة الامّة أنتم المتصدّون لمقام الإمامة، و بديهيّ أن المسئوليّة الملقاة على عاتق من اجتباهم اللَّه و اختارهم هي مسئوليّة عظمى، و تختلف كثيراً عن المسئولية الملقاة على عاتق عامّة النّاس، فإذا قارنّا هنا بين الآيتين، آية وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ و آية: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا لرأينا أن الخطاب هنا لا يمكن أن يكون موجهاً لعامّة النّاس، بل هو خطاب خاصّ موجّه إلى الذين اجتباهم اللَّه تبارك و تعالى [1].
[1]. اشكال و جواب قد يقال: إنّ آية: وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ كقوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ و الثّانية عامّة تشمل جميع المخاطبين من المؤمنين، فكذلك الاولى. فنقول إنّ: اتَّقُوا اللَّهَ غير وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ و لا توجد هناك أية علاقة بين الاثنين. فقوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ خطاب عام للجمع، و الجميع مكلّفون بالأخذ به، أما الآية محل البحث فقد اثبتنا بالقرائن العديدة أنها تخصّ عدة معينة من المؤمنين، و لعلّ في الآية وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا من المعاني ما لا يمكن أن ندرك كنهها بعقولنا.