[المناقشة في الاستدلال بصحيح ابن الحجاج الوارد في الصيد]
و بالجملة: الاحتياط بحسب المرتكزات طريقي محض و لا يزيد في الطريقية على الأمارات المعتبرة، فكما أنها منجزة في ظرف تنجز الواقع يكون الاحتياط أيضا كذلك، و هو منحصر بأطراف العلم الإجمالي و ما قبل الفحص، و في غيرهما لا تنجز للواقع، فلا وجه لتنجز الاحتياط الممحض في الطريقية، و جميع ما ورد في الاحتياط و التوقف في الشبهات إنما هو في مقام بيان كثرة الاهتمام بالواجبات و المحرمات، و أنهما بمثابة من الأهمية ينبغي أن يحتاط في مشتبه الوجوب فعلا و مشتبه الحرمة تركا، و ليس هذا إلا معنى حسن الاحتياط عقلا.
هذا مع أن بعض ما استدلوا به لا ربط له بالمقام، كصحيح ابن الحجاج الوارد في الصيد: «إذا أصبتم بمثل هذا و لم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه و تعلموا». فإنه في الشبهات البدوية قبل الفحص التي اتفق الكل على عدم صحة البراءة فيها. و كموثق ابن وضاح الوارد في دخول وقت المغرب: «أرى لك أن تأخذ بالحائطة لدينك». فإنه إن كان في الشبهة الموضوعية فمقتضى الاستصحاب عدم دخول وقت المغرب و في مثله لا يقول أحد بالبراءة، و إن كان في الشبهة الحكمية فاتفق الكل على دخوله بذهاب الحمرة، فلا وجه للاحتياط على كلا التقديرين.
إن قلت: ما وجه أمره (عليه السّلام) بالاحتياط، و لم لا يبين الحكم الواقعي مع أنه (عليه السّلام) عالم به، و ليس من شأنه (عليه السّلام) الأمر بالاحتياط الذي يستلزم الجهل بالواقع و المعصوم منزه عنه؟
قلت: لعله لعدم قدرته (عليه السّلام) على إظهار الواقع لقصور فهم المخاطب، أو لجهة اخرى، فليس منشأ الأمر بالاحتياط منحصرا في الجهل بالواقع، بل له مناشئ مختلفة كما لا يخفى.