من العناوين المتقدّمة: «مَنْ يجوز قضاؤه و ينفذ حكمه و فصل الخصومة بحكمه»، و هو المهمّ في هذا المقام، فلا بدّ من بسط الكلام فيه و البحث عنه، و قبل الخوض فيه لا بدّ من تحرير مقتضى الأصل فيه.
فنقول: الأصل و مقتضى القواعد العقليّة عدم سلطنة أحدٍ على أحد، و عدم نفوذ حكمه على غيره؛ لا في رفع الخصومات و المنازعات، و لا في الامور السياسيّة التي يحتاج الناس إلى إقامتها، و إن كان نبيّاً و رسولًا من اللَّه إليهم، و عالماً بعلوم الأوّلين و الآخرين، فإنّه لا ارتباط لباب فصل الخصومة و القضاء و السلطنة بكون الشخص عالماً عادلًا، بل و نبيّاً، بحيث يثبت له السلطنة على الناس من دون احتياج إلى الجعل من اللَّه تعالى، فإنّ مجرّد النبوّة لا يستلزم عقلًا حكومته على الناس، و قاضياً يحكم بينهم؛ بحيث لم تجز لأحد مخالفته، و إن كان مُحقّاً في الواقع و حكمه مطابقاً للواقع، بل يحتاج هذا المنصب إلى الجعل و النصب؛ لينفذ حكمه، و لم تجز مخالفته و إن علم الخصم المنازع بأنّه محقّ في الواقع، كما لو حلف المدّعى عليه: أنّه ليس بمديون لزيد المدّعي، و حكم الحاكم الشرعي بذلك، فإنّه لا يجوز لزيد أخذ المال المدّعى به و إن علم بكونه مُحقّاً في الواقع، فالقاضي يحكم من عنده، لا أنّه يُخبر عن حكم اللَّه تعالى، و لو أخبر بحكم اللَّه في مورد المنازعة لم تنفصل به الخصومة.
و كذلك الكلام في نصب الولاة، فإنّ أمير المؤمنين كان ينصب الولاة في البلاد من قِبَل نفسه- بعد جعل النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم) الولاية و السلطنة له- لا عن اللَّه تعالى