و إنّما الكلام في الإيراد الأوّل، و هو أنّه هل يمكن الإجمال و الإبهام في موضوعات الأحكام العقليّة؛ بأن يحكم العقل بحكم على مركَّب من أجزاء لا يُدرك دَخْلَ جميعها في حكمه، و يحتمل عدم دَخْل بعضها في حسن الشيء و قبحه، فيحكم عليه من باب أنّه القدر المتيقَّن دخْلُه فيه، أو لا يمكن ذلك، بل لا بدّ أن يكون موضوع حكمه مُبيَّناً مفصَّلًا، و أنّه لا يحكم إلّا بعد دَرْكه دَخْلَ جميع القيود أو بعضها المعيّن؟
وجهان:
من أنّ عالم العقل عالم التجرُّد و التجزئة، فلا يمكن الإجمال و الإهمال في أحكامه على موضوعاتها، فإنّه لو أدرك قبح مطلق الكذب، فهو يُدرك أنّ قيد المُضِرّيّة لا دَخْل له في هذا الحكم، و إن أدرك دَخْل قيد المُضِرِّيّة و أنّه حيث إنّه مُضرّ قبيح، فهو يدرك دَخْل هذا القيد في موضوع حكمه- أي الكذب- و أنّ الموضوع هو المقيّد بهذا القيد.
نعم قد يطرأ الشكّ بسبب طُرُوّ بعض الخصوصيّات الخارجيّة، و إلّا فلا إجمال و لا إهمال في موضوع حكمه؛ أي العنوان الكلّي.
و من حيث إنّه يمكن أن يقال: إنّه ليس للعقل نورانيّة بها يُدرك جميع الحقائق تفصيلًا بما هي عليها، و لذلك اختلف أرباب المعقول في المباحث العقليّة و المطالب الكلاميّة، فيمكن تصوّر الإجمال و الإبهام في موضوعات الأحكام العقليّة.
و بالجملة: ما أفاده الشيخ (قدس سره)- من دعوى إدراك العقل جميع مناطات حكمه و ملاكاته و قيود موضوع حكمه مفصَّلًا و مبيَّناً، و مع عدمه لا يحكم بحكم- محلّ تأمّل و إشكال.
تحقيق الحال في المقام
ثمّ على فرض تسليم ذلك لكن لا يختل بذلك استصحاب الأحكام الشرعيّة