قوله تعالى: يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاََ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيََاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [1]و هذه استعارة على أحد التأويلين، و هو أن يكون المعنى: تلقون إليهم بالمودة ليتمسّكوا [2] بها منكم. كما يقول القائل: ألقيت إلى فلان بالحبل ليتعلق به، و سواء قال: ألقيت بالحبل، أو ألقيت الحبل. و كذلك لو قال: ألقيت إلى فلان بالمودة، أو ألقيت إليه المودة. و كذلك قولهم: رميت إليه بما فى نفسى، و ما فى نفسى، بمعنى واحد.
و قال الكسائي: تقول العرب: ألقه من يدك و ألق به من يدك، و اطرحه من يدك، و اطرح به من يدك، كلام عربى صحيح. و قد قيل: إن فى الكلام مفعولا محذوفا، فكأنه تعالى قال: تلقون إليهم أسرار النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالمودة التي بينكم. و هذه الآية نزلت فى قوم من المسلمين، كانوا يخالّون قوما من المنافقين، فيتسقّطونهم أسرار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، استزلالا لهم، و استغمارا لعقولهم.
و قوله سبحانه: وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [2]و هذه استعارة.
لأن بسط الألسن على الحقيقة لا يتأتّى كما يتأتّى بسط الأيدى، و إنما المراد إظهار الكلام السيّئ فيهم بعد زمّ الألسن عنهم، فيكون الكلام كالشيء الذي بسط بعد انطوائه، و أظهر بعد إخفائه.
و قد يجوز أيضا أن يكون تعالى إنما حمل بسط الألسن على بسط الأيدى، ليتوافق الكلام، و يتزاوج النظام، لأن الأيدى و الألسن مشتركة فى المعنى المشار إليه، فللأيدى الأفعال و للألسن الأقوال. و تلك ضررها بالإيقاع، و هذه ضررها بالسّماع.