و إن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميّة إلّا في الحكم، فإنه مع الشك في بقاء الحكم بوجوب الإكرام- بعد اليقين به سابقاً-، يجري الاستصحاب، و لا تصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال.
و إنْ قلنا بعدم جريان الاستصحاب في الشبهة المفهوميّة مطلقاً، كما هو المختار- أمّا في الموضوع، فلأنه يعتبر في الموضوع المستصحب أن يكون ذا أثر شرعي، و المفاهيم لا أثر لها، و أمّا في الحكم، فلأنه يعتبر في الاستصحاب وحدة الموضوع في القضيّتين، و هي هنا مفقودة [1]-.
فتصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال.
[1] إن المفاهيم- بما هي مفاهيم و مداليل للألفاظ- ليست بموضوعات لآثار شرعيّة، فمفهوم «الخمر» ليس بحرامٍ، بل الحرام هو الخمر الموجود خارجاً، و مفهوم «الكر» ليس بذي أثر بل الأثر الشرعي يترتب على المصداق الخارجي، و حينئذٍ لا بدّ من توفّر أركان الاستصحاب- اليقين السابق و الشك اللّاحق- في المصداق الخارجي، و كذا «العالم» في المثال، فإنه ليس مفهوم هذه اللفظة بما هو موضوعاً للأثر بل واقع العلم، و مع الشك يدور أمره بين ما انقضى عنه التلبس و هو منتف يقيناً، و بين كونه حقيقة في الأعم فيكون باقياً يقيناً، فالشك في البقاء منتفٍ، فلا يجري الاستصحاب في طرف الموضوع.
هذا بالنسبة إلى الموضوع.
و كذلك الحال بالنسبة إلى الحكم. و ذلك، لعدم صدق نقض اليقين بالشك في حال اختلاف موضوع القضيّة المشكوكة مع موضوع القضية المتيقّنة، فلا بدّ من وحدة الموضوع، و هي في الشبهات الحكميّة منتفية، لأن أمر الموضوع فيها يدور بين الزوال تماماً و البقاء يقيناً، لأن تلك الذات إن كانت متلبّسةً بالعلم، فإنه مع زوال التلبس يزول موضوع الاستصحاب، لان المفروض كون التلبّس جزءاً للموضوع، و بناء على الأعمّ يكون الموضوع باقياً يقيناً، و في مثله لا يجري الاستصحاب.
و بما ذكرنا يظهر أن الدّليل على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة هو قصور المقتضي، أي عدم شمول أدلّة الاستصحاب لمثل هذه الشبهات، لا المعارضة بين استصحاب عدم المجعول و استصحاب عدم الجعل، لأنّ التعارض فرع وجود المقتضي لشمول الأدلَّة للطّرفين، و تفصيل الكلام في محلّه.