و هو من الغرابة بمكان!فإنّ التخلية-سواء من البائع للمبيع أو من المشتري للثمن-غير القبض، فكيف يفسّر عمل شخص بفعل الآخر؟! فتخلية البائع مبيعه غير قبضه للثمن، و قبض المشتري غير التخلية بين البائع و بين الثمن.
ثمّ إنّ التخلية أشبه بأمر عدمي، فإنّها عبارة عن: عدم المنع أو عدم المانع، فكيف يكون تفسيرا للقبض الّذي هو أمر وجودي، و هو التسلّم و التسليم؟!
و الحاصل: أنّ كلام الفقهاء في التخلية مشوّش لا يكاد يتّضح وجهه.
و قد جرت (المجلّة) على هذا المجرى من غير إمعان و تمحيص.
و تحقيق المقام: أنّ كلا من البائع و المشتري يلزمه قبض و إقباض، أي:
يلزم البائع تسليم المبيع و تسلّم الثمن، و يلزم المشتري تسليم الثمن و تسلّم المبيع حيث لا يكون كلّ منهما مقبوضا أو بحكم المقبوض، كما في الدين و نحوه. و لكن القبض و الإقباض-و إن شئت فقل: التسليم و التسلّم-من كلّ منهما يختلف باختلاف ما يقع عليه البيع، فقد يتحقّق الإقباض بالتخلية و الإذن فقط، و قد لا يتحقّق إلاّ بوضعه في يده أو في صندوقه.
كما أنّ القبض قد يحصل بصرف علمه بالتخلية، و قد لا يحصل إلاّ بأخذه بيده. و بين هذين الحدّين أنواع و أشكال يتحقّق بها القبض و الإقباض.
و تندرج أنواع القبض تحت عنوان واحد، و هو الاستيلاء على الشيء و السلطنة عليه.
كما يجمع جميع أنواع الإقباض التسليط و التمكين، فقد يتحقّق التسليط بصرف التخلية، و قد يحتاج معها إلى شيء آخر.
و لمّا اختلفت الأنواع المحقّقة للقبض و المحقّقة للإقباض اختلفت تعبيرات الفقهاء، و كلّ واحد نظر إلى جهة و ناحية فعبّر بها حتّى بلغت الأقوال في بيان القبض حسبما ذكره بعض أعلامنا المتأخّرين-على ما اتخطره-إلى ثمانية 1 .