ابن سعيد الأهوازي عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت: لم يزل اللّه مريدا؟ قال: إنّ المريد لا يكون إلّا لمراد معه، لم يزل اللّه عالما قادرا ثمّ أراد [1].
فأفاد (عليه السلام): إنّ الإرادة ليست من صفات الذات كالعلم و القدرة، بل هي من صفات الفعل و ليست بقديمة؛ لأنّها لا تنفكّ عن المراد، و حيث إنّ المراد حادث فالإرادة أيضا حادثة.
و أوضح من ذلك ما رواه صفوان بن يحيى عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام)، و السند هكذا: أحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن الإرادة من اللّه و من الخلق؟ فقال: الإرادة من الخلق الضمير و ما يبدوا لهم بعد ذلك من الفعل، و أمّا من اللّه تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك؛ لأنّه لا يروّى و لا يهمّ و لا يتفكّر [2]، و هذه الصفات منفيّة عنه و هي صفات الخلق، فإرادة اللّه الفعل لا غير ذلك يقول له كن فيكون بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همّة و لا تفكّر و لا كيف لذلك كما انّه لا كيف له (أي له تعالى) فصرّح (عليه السلام) بأنّ إرادة اللّه هي إحداثه، و في موضع آخر إرادة اللّه هي الفعل.
لكن الظاهر أنّ الإمام (عليه السلام) ليس في مقام تعريف المفهوم، بل في مقام بيان المنشأ الذى ينتزع منه مفهوم الإرادة. فبيّن (عليه السلام) أنّ الإرادة لمكان كونها من صفات الفعل لا منشأ لها إلّا الفعل، و لا تكون بإزائها شيء زائدا عليه، كالتروّي و التأمّل و الاهتمام. فلا ينافي ما تقدّم من أنّ مفهوم الإرادة المشيئة و الاختيار؛ لأنّ مشيئته و اختياره بنفس فعله، لا بالتروى و الاهتمام و العزم؛ التي هي كيفيّات تعرض النفس.